على خشبة “مسرح مونو” في قلب العاصمة اللبنانية بيروت، يوم الاثنين الماضي، خيم صمت مهيب قبل أن تتقد الإضاءة على مشهد يحبس الأنفاس. لم يكن الجمهور أمام عرض مسرحي تقليدي بل أمام شهادة حية على حربين متوازيتين في الوجع والذاكرة، حيث قدمت منظمة “أطباء بلا حدود” عملا فنيا بعنوان “غزة – عيتا الشعب – غزة”.
هذا العرض المسرحي، الذي جمع بين الفن والتوثيق، حول المسرح إلى مساحة للشهادة والمقاومة، وإلى جسر يصل بين مدينتين مزقتهما الحروب ووحدتهما الإنسانية. المخرجة اللبنانية لينا أبيض قدمت العمل كلوحة متوازية الحكايات، تٌروى فيها تجربتان لامرأتين تفصلهما الجغرافيا وتوحدهما المعاناة.
شهادات حية على أرض الواقع
الأولى نور من غزة، الشابة غزة، تجسدها الممثلة ميرا صيداوي، تسابق الموت لأداء واجبها الإنساني وسط القصف وانقطاع الاتصالات. والثانية نهلة من عيتا الشعب، أدّت دورها دارين شمس الدين، سيدةٌ لبنانية هجّرتها الحرب من بلدتها الجنوبية، تحمل ذاكرتها كأرض لا تباع ولا تنسى.
تلتقي القصتان على الخشبة في مشهد واحد، حيث تصير الذاكرة بطلة ثالثة، ترافقهما موسيقى كارول أوهير وغناء كوزيت شديد، بينما تتسلل إضاءة طارق مجذوب بين الظلال كأنها تحاور الوجع بالضوء وتستحضر الحياة من بين الركام.
الفن بوصفه شهادة
وفي بداية الأمسية، قال المدير التنفيذي لمنظمة “أطباء بلا حدود” في لبنان، سيباستيان غيه: “الفن ليس ترفا بل أداة أساسية لتوثيق التجارب الإنسانية”. كان يتحدث وكأن المسرح نفسه يتحول إلى عيادة من نوع آخر، تُداوى فيها الجراح بالكلمة والصورة.
بالنسبة إلى “أطباء بلا حدود”، لا تقتصر الإنسانية على تضميد الجراح الجسدية بل تمتد إلى مداواة الذاكرة من النسيان، لأن “الشهادة على الألم جزء من علاجه”. ومن لبنان إلى فلسطين، يرى غيه أن المسافات لا تلغي وحدة الوجع، فـ”الخوف والنزوح والفقدان” باتت لغة مشتركة بين سكان الجنوب اللبناني وأهالي غزة.
رسائل إنسانية
من جانبها، تقول نهلة سرور، وهي من بلدة عيتا الشعب الجنوبية، وإحدى النساء اللواتي جُسّدت قصصهن في العرض المسرحي، إن رسالتها هي أن يعرف الناس معاناة أهالي عيتا الشعب وسائر القرى الأمامية التي تعيش ظروفا قاسية بسبب الحرب.
وتضيف للجزيرة نت: “ناس خسروا بيوتهم وصوتهم لا يصل إلى أحد، أتمنى أن يسمعنا الناس أكثر، وأن يزوروا القرى ليروا ما نعيشه فعلا، ويشاهدوا حجم الألم والصمود في آن واحد”.
في الختام، يبدو أن هذا العرض المسرحي ترك أثرا عميقا على الحضور، حيث نجح في نقل جزء من المعاناة الإنسانية التي تعيشها النساء في غزة وجنوب لبنان. ومع استمرار الحرب، يبقى الأمل في أن تصل هذه الشهادات إلى العالم، وأن تُحدث تغييرا في مسار الأحداث.













