تخيل نوافذ منزلك تحافظ على درجة حرارتك المثالية دون التضحية بالضوء الطبيعي. هذا ما يسعى فريق بحثي من جامعة كولورادو بولدر الأمريكية إلى تحقيقه من خلال مادة جديدة مبتكرة تُعرف باسم “موتشي”، وهي مادة عزل حراري واضحة، مصممة لتقليل استهلاك الطاقة في المباني.
تم تطوير هذه المادة بهدف معالجة نقطة ضعف رئيسية في كفاءة الطاقة للمباني، وهي النوافذ. النوافذ التقليدية تسمح بتسرب الحرارة بسهولة، مما يزيد من الاعتماد على أنظمة التدفئة والتبريد. يأمل الباحثون أن يساهم هذا الاختراع في خفض تكاليف الطاقة وتقليل البصمة الكربونية للمباني على مستوى العالم.
ما هي مادة “موتشي” العازلة؟
تعتبر مادة “موتشي” عزل حراري ثوري، فهي تتميز بتركيب فريد يعتمد على هلام السيليكون. سر فعاليتها لا يكمن في السيليكون نفسه، بل في الشبكة الدقيقة من القنوات والمسامات الهوائية الموجودة بداخله. هذه المسامات أصغر بكثير من قطر شعرة الإنسان، وتشكل أكثر من 90% من حجم المادة.
يكمن الابتكار في تنظيم هذه الفراغات الهوائية بطريقة تقلل من تشتت الضوء. في معظم مواد العزل المسامية، تكون الفراغات عشوائية، مما يؤدي إلى ظهور نافذة “غائمة”. بينما تحافظ “موتشي” على شفافية عالية، حيث تعكس حوالي 0.2% فقط من الضوء الساقط.
كيف تعمل مادة “موتشي”؟
يعمل العزل الحراري عن طريق إبطاء انتقال الحرارة. تقلل “موتشي” من انتقال الحرارة من خلال حبس جزيئات الهواء داخل مسامات ضيقة للغاية. وعندما تحبس هذه الجزيئات، فإنها لا تستطيع الاصطدام بحرية، مما يقلل من انتقال الطاقة.
تشبه هذه العملية ما يحدث في مواد الأيروجل، وهي فئة معروفة من العوازل. ومع ذلك، تتميز “موتشي” بأنها أقل “غتمة” من الأيروجل، مما يجعلها بديلاً أكثر جاذبية للنوافذ التي تتطلب رؤية واضحة. هذا الفرق يعود إلى تنظيم المسامات بشكل أكثر دقة.
الفوائد المحتملة وتأثيرها على صناعة البناء
وفقًا للدراسة المنشورة في دورية ساينس، فإن شريحة بسمك 5 مليمترات من “موتشي” يمكنها أن تعزل اليد عن سطح ساخن بشكل فعال مع الحفاظ على الشفافية. وهذا يشير إلى إمكانية استخدامها في مجموعة واسعة من التطبيقات، بما في ذلك النوافذ والأبواب وأسطح المباني.
تشير التقديرات إلى أن المباني تستهلك حوالي 40% من الطاقة المنتجة عالميًا، وأن جزءًا كبيرًا من هذا الاستهلاك يضيع بسبب تسرب الحرارة. يمكن أن تساعد مادة عزل حراري مثل “موتشي” في تقليل هذا الهدر وتحسين كفاءة الطاقة في المباني بشكل كبير.
إضافة إلى ذلك، يمكن أن تقلل من الاعتماد على أنظمة التدفئة والتبريد المركزية، مما يقلل من انبعاثات الكربون وتكاليف التشغيل. إن تطوير مواد بناء مستدامة مثل هذه يعتبر خطوة هامة نحو مستقبل أكثر اخضرارًا.
عملية التصنيع والتحديات
يعتمد تصنيع “موتشي” على عملية كيميائية دقيقة تتضمن خلط جزيئات من “مؤثرات سطحية” داخل محلول. تتجمع هذه الجزيئات بشكل طبيعي لتكوين خيوط دقيقة، ثم تلتصق جزيئات السيليكون بهذه الخيوط. بعد ذلك، يتم إزالة “مؤثرات السطح” واستبدالها بالهواء، لتشكيل هيكل السيليكون الذي يحتوي على قنوات هوائية دقيقة.
حتى الآن، لا يزال إنتاج “موتشي” محدودًا بالمختبرات ويتطلب وقتًا وجهدًا. ومع ذلك، يعتقد الباحثون أن عملية التصنيع يمكن تبسيطها وتوسيعها في المستقبل لتمكين الإنتاج التجاري. المكونات الأساسية للمادة ليست باهظة الثمن، مما يشير إلى أن “موتشي” يمكن أن تكون حلاً فعالاً من حيث التكلفة لتحسين كفاءة الطاقة.
من المتوقع أن يركز الفريق البحثي في المرحلة القادمة على تطوير طرق إنتاج أكثر كفاءة وفعالية من حيث التكلفة. سيتم أيضًا إجراء اختبارات إضافية لتقييم أداء المادة في ظروف مناخية مختلفة.
يبقى مستقبل “موتشي” غير مؤكد، لكن إمكاناتها في مجال عزل حراري المباني واعدة. يجب مراقبة التقدم المحرز في عملية التصنيع ونتائج الاختبارات الإضافية لتحديد ما إذا كانت هذه المادة ستكون قادرة على إحداث ثورة في صناعة البناء.













