يمارس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضغوطًا متزايدة على الحكومة الإسرائيلية للتقدم في اتفاق وقف الحرب في غزة، بما في ذلك تنفيذ انسحاب عسكري إضافي من القطاع. وتأتي هذه الضغوط بالتزامن مع استعداد واشنطن للإعلان عن تشكيلة “مجلس السلام” الذي سيتولى الإشراف المؤقت على إدارة غزة وتثبيت الاتفاق، بالإضافة إلى بدء عملية إعادة الإعمار. هذا التطور يضع مستقبل غزة على مفترق طرق حاسم، مع تباين التوقعات بين الأطراف المعنية.
وتشير التقارير إلى أن الإدارة الأمريكية فوجئت بالتزام حركة حماس بشروط الاتفاق حتى الآن، حيث نادراً ما خرقت الحركة وقف إطلاق النار، وفقًا لما ذكره مسؤولون إسرائيليون. ومع ذلك، فإن هذه التطورات الإيجابية لا تخفي التحديات الكبيرة التي لا تزال قائمة، خاصة فيما يتعلق بالمرحلة الثانية من الاتفاق وتنفيذ الانسحاب الإسرائيلي.
المرحلة الثانية من اتفاق غزة
تعتبر المرحلة الثانية من الاتفاق هي الأكثر تعقيدًا، حيث تتطلب خطوات ملموسة على الأرض، بما في ذلك انسحاب إسرائيلي إضافي إلى شريط أمني ضيق داخل القطاع. ووفقًا لمصادر مطلعة، فإن هذه الخطوات لن تُنفَّذ قبل لقاء مرتقب بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نهاية الشهر الجاري.
وتشير التقديرات إلى أن المسار الأمريكي يتضمن إنشاء قوة استقرار دولية ونشرها في منتصف يناير/كانون الثاني المقبل، وهو ما يعتبره البعض تقدمًا هامًا بعد موافقة مجلس الأمن الدولي على خطة ترامب. وتأتي هذه الخطة في سياق الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة.
تقييمات متباينة للوضع الأمني
تقدر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن قدرة حماس على تهديد جنوب إسرائيل قد تراجعت بشكل كبير نتيجة لانخفاض مخزونها من الصواريخ وصعوبة تنفيذ هجمات منظمة. ومع ذلك، تحذر المؤسسة من أن تأخير تطبيق خطة ترامب وعدم وجود سلطة بديلة في غزة قد يمكّن الحركة من تعزيز قبضتها على السكان بقوة السلاح.
في المقابل، يرى نتنياهو أن السيطرة الكاملة على الوضع لا يمكن أن تتحقق دون نزع كامل لسلاح حماس، وأن إسرائيل ستسعى للحصول على دعم أمريكي مشابه للدعم الذي تلقته في جنوب لبنان ضد حزب الله. هذا الاختلاف في الرؤى يمثل أحد أبرز التحديات التي تواجه عملية السلام.
وأكد نتنياهو أن المرحلة الأولى من خطة ترامب بشأن غزة توشك على الانتهاء، مشيرًا إلى أن المرحلة المقبلة ستركز على نزع سلاح حماس وتجريد القطاع من قدراته العسكرية. وأضاف أن حماس تواصل خرق وقف إطلاق النار، مستشهدًا بتصريحات خالد مشعل التي أكد فيها استمرار الحركة في طريقها وعدم تجريدها من سلاحها.
وتشير التقارير إلى أن واشنطن تنوي إحراز تقدم في تطبيق مراحل الانسحاب في الأسابيع المقبلة، بعد أن سلّمت حماس جثث جميع الأسرى القتلى باستثناء الشرطي ران جفيلي. هذه الخطوة تعتبر بمثابة إشارة إيجابية من حماس، وتعزز فرص التقدم في عملية السلام.
مجلس السلام الدولي
من المتوقع أن يعلن عن تشكيلة مجلس السلام الدولي بين 15 و25 ديسمبر/كانون الأول الجاري. وسيمثل هذا المجلس الغطاء السياسي للحكومة التكنوقراطية التي تمت الموافقة على تشكيلتها بشكل غير معلن، وتشمل شخصيات مقربة من حماس والسلطة الفلسطينية. يهدف المجلس إلى تسهيل الحوار بين الأطراف الفلسطينية المختلفة والتوصل إلى حلول مستدامة.
وتأتي هذه الجهود في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة، حيث يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 80% من سكان غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. لذلك، فإن إعادة الإعمار وتوفير الخدمات الأساسية يعتبران من الأولويات القصوى.
وتشمل التحديات الأخرى التي تواجه عملية السلام مسألة اللاجئين الفلسطينيين، والوضع النهائي للقدس، والحدود. وتتطلب هذه القضايا حلولًا عادلة ومستدامة تضمن حقوق جميع الأطراف. كما أن تحقيق المصالحة الفلسطينية الداخلية يعتبر شرطًا أساسيًا لنجاح عملية السلام.
من المقرر أن يعقد نتنياهو وترامب لقاءً في 29 ديسمبر/كانون الأول الجاري في منتجع مار إيه لاغو بولاية فلوريدا، ومن المتوقع أن يستمر اللقاء لمدة 8 أيام. خلال الزيارة، سيناقش الزعيمان “فرص السلام” في الشرق الأوسط، وسيبحثان سبل تعزيز التعاون بين البلدين. ومن المتوقع أيضًا أن يتم بحث التطورات الأخيرة في المنطقة، بما في ذلك الوضع في غزة.
في الختام، يظل مستقبل غزة معلقًا على نتائج اللقاء المرتقب بين ترامب ونتنياهو، وعلى قدرة الأطراف المعنية على التوصل إلى اتفاق شامل ومستدام. وتعتبر متابعة التطورات على الأرض، وتقييم التحديات التي تواجه عملية السلام، أمرًا ضروريًا لفهم المشهد السياسي والأمني في المنطقة.













