لفترة طويلة، اعتاد علماء الفلك تصنيف كوكبي أورانوس ونبتون كـ “عمالقة جليدية” نظرًا لتركيبهما الغني بالمواد المتطايرة. لكن دراسة جديدة نشرت في مجلة “أسترونومي آند أستروفيزيكس” تشير إلى أن هذا التصنيف قد يكون مبسطًا للغاية، وأن الكوكبين قد يحتويان على كميات أكبر من الصخور مما كان يُعتقد سابقًا. هذه النتائج تدعو إلى إعادة النظر في فهمنا لهذه الكواكب الغازية العملاقة.
تستند الأبحاث السابقة إلى فكرة أن أورانوس ونبتون يختلفان بشكل كبير عن المشتري وزحل، فهما ليسا غازيين في المقام الأول، بل يمتلكان تركيزات عالية من الجليد، بما في ذلك الماء والأمونيا والميثان، تحت ضغط هائل. ومع ذلك، يوضح البحث الجديد أن البيانات المتاحة تسمح بتفسيرات متعددة لتركيبهما الداخلي، مما يثير تساؤلات حول مدى صحة التصنيف التقليدي.
لغز التركيب الداخلي للكواكب
يظل التركيب الداخلي للكواكب العملاقة لغزًا كبيرًا، نظرًا لعدم وجود طريقة مباشرة لرؤية ما يحدث داخلها. يعتمد العلماء على أدلة غير مباشرة مثل كتلة الكوكب ونصف قطره، والأهم من ذلك، التفاصيل الدقيقة لحقول الجاذبية الخاصة به. تساعد هذه القياسات في تحديد كيفية توزيع الكتلة داخل الكوكب، وهل هي مركزة في القلب أم موزعة بشكل أوسع.
تقليديًا، كانت النماذج المستخدمة لمحاولة فهم هذه التركيبات تعتمد على افتراضات مسبقة، مثل وجود نواة صخرية محاطة بطبقة جليدية وغلاف غازي بنسب محددة. ورغم أن هذه النماذج يمكن أن تتلاءم مع بعض الملاحظات، إلا أنها قد تكون مقيدة بسبب هذه الافتراضات الأولية.
بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تكون النماذج التجريبية بسيطة للغاية، وتفتقر إلى الدقة اللازمة لوصف سلوك المواد في الظروف القاسية التي تسود داخل هذه الكواكب. ففي ظل الضغوط والحرارة الهائلة، تتغير خصائص المواد بطرق غير متوقعة، مما قد يؤدي إلى استنتاجات غير دقيقة إذا لم يتم أخذ هذه التغييرات في الاعتبار.
خوارزمية جديدة تكشف الاحتمالات
تقدم الدراسة الجديدة منهجًا هجينًا يجمع بين المرونة والدقة، فهو لا يفترض تركيبًا محددًا مسبقًا، بل يبدأ بتوزيع عشوائي للكثافة داخل الكوكب. ثم تستخدم الخوارزمية حقل الجاذبية الرصدي كمعيار لضبط هذا التوزيع بشكل متكرر، حتى يتم الوصول إلى نماذج تتوافق مع الملاحظات وفي الوقت نفسه تكون متسقة مع قوانين الفيزياء.
ووفقًا للباحثين، فإن النتائج ليست نموذجًا واحدًا قاطعًا، بل مجموعة من النماذج المحتملة التي تُظهر مدى التنوع في التركيب الداخلي لـأورانوس ونبتون. تشير هذه النماذج إلى أن الكوكبين يمكن أن يكونا غنيين بالماء أو بالصخور، وليس بالضرورة بالجليد كما كان يُعتقد سابقًا. وهذا يشير إلى أن تصنيف “العمالقة الجليدية” قد يكون تبسيطًا مفرطًا لواقع أكثر تعقيدًا.
تأثيرات الدراسة على فهم الكواكب
القدرة على استكشاف احتمالات متعددة في تركيب الكواكب الغازية العملاقة يمثل خطوة مهمة إلى الأمام في علم الفلك. فهو يسمح للعلماء بتجنب التحيزات التي قد تنشأ عن فرض نماذج محددة مسبقًا، ويفتح الباب أمام فهم أعمق لعمليات تكوين الكواكب وتطورها.
يعتبر تحديد التكوين الدقيق لداخل الكواكب العملاقة من التحديات الكبرى في هذا المجال، لكن هذه الدراسة تقدم أداة قوية تساعد على تقييم الاحتمالات المختلفة بشكل أكثر موضوعية. ويرتبط ذلك أيضًا بفهم الظواهر الجوية الغريبة التي نراها على هذه الكواكب، مثل الرياح القوية والبقع المظلمة.
يُذكر أن الدراسة استخدمت تقنيات حاسوبية متطورة لتحليل البيانات الفضائية وتطوير الخوارزمية الجديدة. كما اعتمدت على أحدث الأبحاث في مجال علم المواد تحت الضغط الشديد، لضمان دقة النماذج المطورة. وسيساعد هذا التقدم في فهم أفضل لنظامنا الشمسي والكواكب الأخرى التي تدور حول نجوم أخرى.
من المتوقع أن يتم استخدام هذه الخوارزمية الجديدة وتحسينها في المستقبل، من خلال دمج بيانات جديدة من المهمات الفضائية القادمة. ستوفر مهمة “أورانيوس برييمير” التي تخطط وكالة الفضاء الأوروبية لإطلاقها، على سبيل المثال، بيانات تفصيلية جديدة حول التركيب الجوي وحقل الجاذبية لأورانوس، مما قد يساعد في تضييق نطاق الاحتمالات المتعلقة بتركيبها الداخلي. سيكون من المثير للاهتمام متابعة التطورات في هذا المجال، ومعرفة ما إذا كانت البيانات الجديدة ستؤكد أو تدحض النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة.













