شهد سعر صرف اليوان الصيني ارتفاعًا ملحوظًا في السوق المحلية، حيث تجاوز مستوى 7 وحدات مقابل الدولار الأمريكي للمرة الأولى منذ عام 2023. ويعتبر هذا التطور إشارة إلى ارتياح بكين لتعزيز قيمة عملتها بشكل تدريجي، مدفوعًا بتدفقات رأسمالية وتغييرات في ديناميكيات السوق. وقد أثار هذا الارتفاع اهتمامًا واسع النطاق في الأسواق المالية العالمية.
وارتفع اليوان المحلي بنسبة تصل إلى 0.2% خلال تعاملات اليوم الثلاثاء، ليبلغ 6.99 يوانات للدولار، قبل أن يقلص مكاسبه قليلًا ليستقر عند 6.9960 يوانات، وهو أعلى مستوى له منذ مايو 2023. يعكس هذا الأداء تحسنًا في الثقة بالاقتصاد الصيني وتوقعات النمو المستقبلية.
تدفقات رأسمالية وبيع كثيف للدولار
يعزى هذا الصعود في قيمة اليوان الصيني إلى عدة عوامل متضافرة، بما في ذلك تراجع طفيف في قيمة الدولار الأمريكي، بالإضافة إلى عمليات بيع مكثفة للدولار من قبل الشركات والمصدرين الصينيين مع اقتراب نهاية العام. وتأتي هذه المبيعات في إطار تسويات نقدية موسمية اعتيادية.
وأفاد متعاملون في السوق، طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، بأن البنوك الصينية الكبرى زادت من مشترياتها للدولار بعد كسر حاجز 7، في محاولة لاحتواء سرعة الارتفاع ومنع تقلبات حادة في السوق. هذا التدخل يهدف إلى الحفاظ على استقرار سعر الصرف.
ويرى وي كون تشونغ، إستراتيجي الأسواق في بي إن واي، أن هناك مجالًا لمزيد من الارتفاع في قيمة اليوان، مدفوعًا بتدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، والتوقعات الإيجابية لنمو الاقتصاد الصيني، والتفاؤل بقطاع التكنولوجيا. ويتوقع أن يستمر اليوان في تعزيز مكانته حتى عام 2026.
معادلة دقيقة بين الدعم والتحكم
ويبرز هذا التطور التوازن الدقيق الذي تسعى بكين إلى تحقيقه بين السماح بارتفاع تدريجي في قيمة العملة، وتجنب أي تحركات مفاجئة قد تؤدي إلى تدفقات أموال ساخنة غير مرغوب فيها. فاليوان الأقوى يمكن أن يقلل من تكلفة الواردات ويعزز التدويل، ولكنه قد يضر أيضًا بتنافسية الصادرات.
ويعتبر اختراق مستوى 7 في السوق المحلية، التي تخضع لقيود تداول يومية، أكثر أهمية من التحركات التي تحدث في الأسواق الخارجية الأقل تنظيمًا. ويشير هذا إلى أن السلطات الصينية تسمح بمرونة أكبر في السوق المحلية.
وتشير التقارير إلى أن بنك الشعب الصيني قد تدخل بشكل غير مباشر خلال شهر ديسمبر لتهدئة وتيرة الصعود، وذلك من خلال توجيه البنوك الحكومية لإجراء عمليات تداول محددة. هذا التدخل يهدف إلى الحفاظ على استقرار الأسواق.
توقعات وول ستريت وتحذيرات رسمية
وتتوقع المؤسسات المالية الكبرى استمرار المسار الصعودي لـاليوان الصيني. فقد توقعت غولدمان ساكس أن يصل سعر اليوان إلى 6.85 مقابل الدولار خلال العام المقبل، بينما رجح بنك أوف أميركا أن يبلغ 6.8. تعكس هذه التوقعات الثقة المتزايدة في الاقتصاد الصيني.
في المقابل، أكد بنك الشعب الصيني على أنه سيحافظ على مرونة سعر الصرف، مع توجيه التوقعات والتحوط من مخاطر “الاندفاع المفرط”. وقد حذرت وسائل الإعلام الرسمية من المضاربة على العملة، مؤكدة على أهمية الاستقرار المالي. هذه التحذيرات تهدف إلى منع أي تقلبات حادة في السوق.
ويرجع بعض المحللين قوة اليوان الأخيرة إلى ضعف الدولار وتسارع بيع العملة الأمريكية من قبل المصدرين. ويتوقعون استمرار هذا السلوك حتى عيد رأس السنة القمرية في فبراير 2026. ومع ذلك، يشيرون إلى أن الطريق أمام العملة سيكون متعرجًا، وأن الارتفاع الحاد والمتواصل غير مرجح.
الأداء السنوي والآفاق المستقبلية
يتجه اليوان الصيني لتسجيل أفضل أداء سنوي له منذ خمس سنوات، مرتفعًا بأكثر من 4% مقابل الدولار منذ بداية العام. يعكس هذا الأداء التحسن في الثقة بالاقتصاد الصيني وتوقعات النمو المستقبلية. ومع ذلك، يظهر تقرير حديث تراجعًا بنسبة 3.8% في قيمة اليوان على أساس تجاري مرجح، مما يشير إلى ضعفه أمام عملات شركاء الصين التجاريين الآخرين.
ومن المتوقع أن يستمر بنك الشعب الصيني في مراقبة عن كثب تطورات السوق، والتدخل عند الضرورة للحفاظ على استقرار سعر الصرف. وستعتمد حركة اليوان في المستقبل على مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك السياسة النقدية الأمريكية، والنمو الاقتصادي العالمي، والتطورات الجيوسياسية. من المهم متابعة هذه العوامل لتقييم المسار المستقبلي لليوان.













