يسعى وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي إلى تحقيق استقرار في أسعار الطاقة وتقليل التفاوت الكبير بين الدول الأعضاء، وذلك في ظل استمرار تقلبات السوق منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. وتأتي هذه الجهود بعد ارتفاع ملحوظ في تكاليف الطاقة، حيث يدفع مواطنو بعض الدول أضعاف ما يدفعه نظراؤهم في دول أخرى، مما يهدد التماسك الاقتصادي والاجتماعي للتكتل.
وتشير البيانات إلى أن الأزمة أظهرت هشاشة سوق الطاقة الأوروبية، وعدم قدرته على التعامل مع الصدمات الخارجية. وقد أدت هذه الأزمة إلى تضخم كبير في فواتير الكهرباء والغاز، مما أثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين وعلى تكاليف الإنتاج للشركات.
تباينات كبيرة في أسعار الطاقة بين دول الاتحاد الأوروبي
أظهرت تحليلات حديثة تباينات صارخة في أسعار الطاقة بين دول الاتحاد الأوروبي. ففي حين شهدت دول مثل جمهورية التشيك والدنمارك وليتوانيا ورومانيا ارتفاعًا في الأسعار بنسبة 87%، ارتفعت فواتير الغاز في بلجيكا بنسبة قريبة من 100%.
ومع ذلك، تمكنت الدول التي تعتمد بشكل كبير على مصادر الطاقة المتجددة، مثل البرتغال وإسبانيا، أو تلك التي لديها بنية تحتية قوية للطاقة النووية، مثل فرنسا، من امتصاص الصدمة بشكل أفضل والحفاظ على أسعار أكثر استقرارًا.
وتتصدر ألمانيا وبلجيكا والدنمارك قائمة الدول الأعضاء التي لديها أعلى أسعار الكهرباء، بينما تتمتع المجر وبلغاريا ومالطا بأسعار أقل نسبيًا. وتدفع الأسر الألمانية أربعة أضعاف ما تدفعه الأسر في المجر مقابل نفس كمية الطاقة الكهربائية، وفقًا لبيانات المفوضية الأوروبية.
أسباب التفاوت في الأسعار
يعزى هذا التفاوت إلى عدة عوامل، بما في ذلك الاختلافات في مزيج الطاقة لكل دولة، ومستوى الاعتماد على الوقود الأحفوري، وكفاءة شبكات النقل والتوزيع، والسياسات الضريبية المطبقة. بالإضافة إلى ذلك، تلعب العوامل الجيوسياسية دورًا هامًا في تحديد أسعار الغاز والكهرباء.
وتعتبر أسعار الغاز أكثر تباينًا من أسعار الكهرباء، حيث تدفع السويد وهولندا والدنمارك أسعارًا مرتفعة، بينما تتمتع المجر وكرواتيا ورومانيا بأسعار أقل بكثير. وقد تصل الفجوة بين السويد والمجر إلى سبعة أضعاف، مما يعكس التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي في تحقيق سوق طاقة موحدة.
صرح مفوض الطاقة، دان يورغنسن، بأن الهدف هو خفض الانبعاثات الكربونية في قطاع الطاقة، وفي الوقت نفسه، العمل على خفض تكاليف الطاقة للمواطنين والشركات. وأكد على أهمية الاستثمار في البنية التحتية للشبكات وتعزيز مصادر الطاقة المتجددة.
من جانبه، أشار وزير الطاقة والتجارة والصناعة القبرصي، مايكل داميانوس، إلى أن حزمة شبكات الاتحاد الأوروبي التي اقترحتها المفوضية الأوروبية تعتبر “ضرورية” لتحقيق هذا الهدف. وأضاف أن خفض أسعار الطاقة أمر حيوي لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الأوروبي.
تحديات تواجه تحقيق الاستقرار في الأسعار
يواجه وزراء الطاقة مهمة شاقة في تحقيق الاستقرار الفعال لأسعار الطاقة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي. ويرجع ذلك إلى أن سياسة الطاقة تقع بشكل كبير ضمن صلاحيات الدول الأعضاء، وأن تطبيق الضرائب يختلف من دولة إلى أخرى. كما أن إجراءات الترخيص للمشاريع الجديدة غالبًا ما تكون بطيئة ومعقدة.
وتشير وثيقة مسربة من المفوضية الأوروبية إلى أن ضعف ترابط شبكات الكهرباء، وبطء إجراءات الترخيص، وتجزؤ التخطيط الوطني، وتفاوت الاستثمارات، تمثل عوائق رئيسية أمام تحقيق سوق طاقة تنافسية.
وتركز المفوضية الأوروبية حاليًا على تسريع عملية منح التصاريح لمشاريع الطاقة المتجددة، بهدف زيادة حصة الطاقة النظيفة في مزيج الطاقة الأوروبي. كما تشجع الدول الأعضاء على اعتماد عقود الفروقات السعرية، وهي آلية مالية تهدف إلى توفير إيرادات مستقرة لمشاريع الطاقة المتجددة والنووية.
وافقت المفوضية مؤخرًا على بناء وتشغيل أول محطة للطاقة النووية في بولندا، والتي ستعمل بموجب عقود الفروقات السعرية. وتهدف هذه الآلية إلى حماية المستهلكين من ارتفاع الأسعار، وفي الوقت نفسه، ضمان حصول المستثمرين على عائد مناسب على استثماراتهم.
من المتوقع أن يعيد المشرعون في الاتحاد الأوروبي قريبًا فتح المفاوضات لمراجعة قانون تصميم سوق الكهرباء، وذلك في إطار جهود أوسع لتبسيط التشريعات البيئية وتعزيز التكامل بين أسواق الطاقة الوطنية. وسيكون من المهم مراقبة التقدم المحرز في هذه المفاوضات، حيث يمكن أن يكون لها تأثير كبير على مستقبل سوق الطاقة في أوروبا.












