وتعلو أخلاق الكبار بقدر ما تتسامى قاماتهم، وقدر ما ترتقي مقاماتهم؛ لتفتح لهم الأفئدة أبواب قبول طرقوها؛ بفضائل الأفعال، وخصال الجمال، فالله يمنح الشخصيات القيادية من كمال الفطنة، ومهارة الدراية بمكانة العالِم والكبير؛ ما يعزز قدْرَها ومكانتها في صدور الناس.
ولم يكن مستغرباً، أن يولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -خلال لقائه أمس بالأمراء والعلماء والمواطنين بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك- سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، عنايةً خاصةً، وإجلالاً كبيراً مستحقاً، لا يعتني به إلا الكبار، ولا يعرفه إلا النجباء الأخيار، فالمجد ينحني ليقبّل رأس كبير العلماء، قبل أن يَشْرُف به كرسي جلوسه؛ ليؤكد إعلاء الدولة والقيادة مرتبة العِلْم، وتقدير وتوقير أصحاب الفضيلة، وإرساء قيم (بروتوكول) متوارث من ملوك الدولة السعودية، قائم على توجيه نبوي: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقّر كبيرنا».
وفي ذات اللقاء تابع العالم عبر الشاشات وتناقلت وسائل التواصل، التزام ولي العهد بحقوق الأخ الأكبر، دون أي حساسية أو حرج، فكان في تقبيله ليد أخيه وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان، شاهد ثانٍ على تمثّله -حفظه الله- أخلاق مدرسة الملك سلمان بن عبدالعزيز النموذجية والرائدة في تربيتها؛ بالوعي والممارسة، ولم يكن ذلك تكلّفاً بل طبعاً معهوداً، وفطرة أصيلة، أثمرت تعاملاً بأخلاق الملوك، وصدق القائل «وَكُلُّ اِمرِئٍ يولي الجَميلَ مُحَبَّبٌ، وَكُلُّ مَكانٍ يُنبِتُ العِزَّ طَيِّبُ».
ويهب ولي العهد، كل من يلتقي به من صفاء قلبه، ووفاء سجاياه، النابعة من روح معطاءة؛ ما يؤكد أن الأقدار تنتخب لجُلّ المهام، وعظيم المقام، المؤهلين بالجينات والذاكرة، والصفات والسمات، فالأمير محمد، مثال راقٍ في تطبيق أدب وتواضع الملوك والأمراء، بل وإعلانه ونشره؛ ليغدو نموذجاً يُحتذى من الجميع، فنحن في بلاد أعزّ الله قادتها بأن آتاهم المُلك، ومنحهم من المزايا والفضائل ما لم يؤته لكل أحد، لأنه على قدر أهل العزم تأتي العزائم، وقديماً قال المتنبي «ولو جاز أن يحووا علاك وهبتها، ولكن من الأشياء ما ليس يوهبُ».