القاهرة- على مدار نحو 20 ساعة، ظلت فرق الإطفاء تباشر عملها لإخماد النيران بمبنى سنترال رمسيس، أحد مراكز الاتصال الرئيسية في مصر، بينما كانت فرق أخرى من مهندسي الاتصالات تحاول استعادة الخدمات الرقمية التي توقفت بشكل جزئي بفعل الحريق، الذي اندلع الأسبوع الماضي.
ولفداحة الحادث وتداعياته المباشرة على مصالح المواطنين، توجَّه جل الاهتمام الحكومي والشعبي والإعلامي نحو مركز الاتصالات في حين كانت ألسنة اللهب تشتعل بتتابع في فندق شهير ومصنعين ومركز تجاري بمحافظات الإسكندرية والجيزة ودمياط.
ووفق إحصاء رسمي، شهدت مصر عام 2024، نحو 46 ألفا و925 حادث حريق أي 129 حادثا يوميا، وبلغ عدد المتوفين 232 مواطنا.
وتُظهر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهة حكومية) وقوع ما يزيد عن 438 ألف حريق في البلاد بين عامي 2010 و2020، متسببة بخسائر في الممتلكات فقط بنحو 3.6 مليارات جنيه، (ما يعادل 72 مليون دولار).
أهم المسببات
بينما تشير تقديرات لخسائر أضخم من المعلن رسميا، فمثلا اندلع حريق عام 2016 بمنطقة الموسكي بوسط القاهرة، وقدرت خسائره حينها بنحو 450 مليون جنيه (9.105 ملايين دولار)، وفي عام 2019 اندلع حريق بنفس المنطقة بتكلفة خسائر بلغت 500 مليون جنيه (10.117 ملايين جنيه)، وقد اندلع حريق، أول أمس الاثنين، بمرآب في محافظة الإسكندرية، وأتى على 91 مركبة.
وحسب جهاز الإحصاء، تعد النيران الصناعية أهم المسببات الرئيسية للحرائق بنسبة 31.6%، يليها التماس الكهربائي بنسبة 18% من إجمالي مسببات الحرائق. وقد تنتج النيران الصناعية عن أعقاب السجائر أو أعواد الكبريت أو مادة مشتعلة كالألعاب النارية.
ويقول المدير السابق للمركز القومي لدراسات السلامة والصحة المهنية، مجدي صليب، إن هناك معايير دولية لتطبيق السلامة المهنية داخل بيئة العمل والإخلال بتلك المعايير يزيد من تعرض المنشأة للمخاطر.
وأضاف للجزيرة نت أن العنصر البشري ومواد الإنتاج وبيئة العمل هي أضلاع مثلث تحقق السلامة المهنية أو انعدامها وفق مدى تطبيق اشتراطات السلامة داخل المكان.
وضرب مثالا باستخدام مواد رديئة للتصنيع كالمنتجات والأدوات الكهربائية المقلدة، والتي قد تتسبب في حدوث التماس الكهربائي وبالتالي اندلاع الحرائق، وكذلك ارتفاع درجات الحرارة داخل المنشأة قد ينتج عنه وقوع كوارث.
المناخ وعوامله
وانطلاقا من حريق سنترال رمسيس طرح مركز حلول للسياسات البديلة بالجامعة الأميركية في القاهرة تصورا لأهم أسباب حوادث الحرائق في البلاد عبر تقرير تحليلي صدر مؤخرا.
ورغم أن الإشارة الأولى بالتقرير كانت لضعف البنية التحتية الحيوية في مواجهة الكوارث بمصر، إلا أنه استطرد ليركز على التغيرات المناخية ودورها بإشعال الحرائق.
وذكر التقرير الذي حمل عنوان “ما بعد حريق رمسيس.. إعادة النظر في البنية الرقمية بمصر” أن مصر تواجه مخاطر مرتفعة من الحرائق نتيجة الظروف المناخية باحتمالية تتجاوز 50%.
وأوضح “يدفع ارتفاع درجات الحرارة السكان لاستخدام مكثف لأجهزة التكييف والتبريد، ما يثقل شبكة الكهرباء، ويزيد من احتمالات حدوث أعطال كهربائية تؤدي للحرائق، كما تسهم الكثافة الخرسانية والأسطح الأسفلتية والمباني المتلاصقة في احتباس حراري، وارتفاع درجات حرارة الهواء والأسطح إلى ما يفوق المتوسطات الطبيعية”.

وحسب التقرير فإنه وخلال الفترة بين عامي 2017 و2020، وفي ذروة مشاريع توسعة الطرق التي نفذتها الحكومة المصرية، خسرت القاهرة مساحات واسعة من الغطاء النباتي، مما أدى إلى نشوء ظاهرة الجزيرة الحرارية الحضرية، حيث تصل درجات الحرارة إلى أعلى من مستواها الطبيعي، وهو ما يزيد بشكل كبير احتمالات الحرائق.
وخلال جلسة طارئة في مجلس النواب حول حادثة سنترال رمسيس، سأل برلمانيون وزير الاتصالات بشأن احتمالية أن يكون وراء الحريق عمل تخريبي إلا أن الوزير استبعد ذلك، وطالب بانتظار نتائج التحقيق من قبل النيابة العامة.

ترهل البنية التحتية
من جانبه، أرجع مدير المركز الدولي للدراسات التنموية، مصطفى يوسف، الحرائق في مصر لعدة أسباب، منها قلة عدد محطات الدفاع المدني والإطفاء مقارنة بعدد السكان والبنايات.
وقال للجزيرة نت، إن هناك ترهلًا في الجهاز الحكومي وضعفًا في الإدارات المحلية، مما يضعف التعاطي مع المخاطر مثل الحرائق.
ورغم عدم وجود إحصاء شامل لعدد محطات الدفاع المدني في مصر، فإن تقريرا صادرا عن محافظة القاهرة يبين أن عدد مراكز الإطفاء فيها بلغ 85 مركزا بإجمالي 112 سيارة إطفاء، لخدمة أكثر من 10 ملايين نسمة يسكنون العاصمة.
وألمح الخبير يوسف، إلى غياب الوعي الشعبي بكيفية التعامل وقت وقوع الحرائق وضعف التشريعات المتعلقة باشتراطات السلامة وأجهزة الإنذار والمراقبة الخاصة بالمنشآت، ما يزيد خسائر الأرواح والممتلكات.
وخلال تصريحات متلفزة، قال مدير إدارة الحماية المدنية الأسبق، اللواء ممدوح عبد القادر، إن منظومة الإنذار المبكر ومعدات الإطفاء موجودة بالفعل في المنشآت ولكن أعمال الصيانة قد لا تتم على النحو المرجو.
وأضاف أن إهمال معدات الإنذار والإطفاء داخل البنايات دون صيانة قد يؤدي لتعطلها حين وقوع حريق والرغبة في تشغيلها.