يشهد البحر الكاريبي، بالإضافة إلى مناطق بحرية أخرى حول العالم، تصاعدًا في التوترات العسكرية والاقتصادية، يتجلى في عمليات عسكرية تستهدف ما تسميه واشنطن بـ”إرهابيي المخدرات” وفي الوقت نفسه، في نشاط متزايد لشبكة معقدة من السفن تُعرف باسم “أسطول الظل”. هذه السفن، التي تعمل خارج الإطار القانوني والرقابي الدولي، أصبحت محورًا رئيسيًا في تجاوز العقوبات المفروضة على دول مثل روسيا وإيران وفنزويلا، مما يثير تساؤلات حول فعالية هذه العقوبات وتأثيرها على الاستقرار الإقليمي والعالمي.
تأتي هذه التطورات في ظل صراعات إقليمية متصاعدة، حيث تلعب الدول المنتجة للنفط دورًا محوريًا في هذه التوترات. وتُركز العمليات العسكرية الأخيرة على مكافحة تهريب المخدرات والنفط، ولكنها تحمل في طياتها أبعادًا جيوسياسية أعمق، تتعلق بمحاولات تقويض نفوذ بعض الدول المتضررة من العقوبات الدولية.
ما هو “أسطول الظل” ولماذا يثير القلق؟
يشير مصطلح “أسطول الظل” إلى شبكة واسعة من السفن التجارية القديمة، وخاصة ناقلات النفط، التي تعمل بشكل سري لتجنب العقوبات الدولية والقيود التجارية. غالبًا ما تكون هذه السفن مملوكة لشركات وهمية ومسجلة في دول ذات قوانين تسجيل فضفاضة، مما يجعل من الصعب تتبعها وتحديد الجهات المستفيدة من أنشطتها.
تعتمد هذه السفن على تغيير أعلامها بشكل متكرر، وإجراء عمليات نقل النفط من سفينة إلى أخرى في البحر لإخفاء مصدر الشحنات. هذا التكتيك، بالإضافة إلى استخدام طرق دفع غير شفافة، يسمح لها بالعمل دون رقابة فعالة، مما يسهل تهريب النفط وتجاوز العقوبات المفروضة على الدول المنتجة.
نشأة وتطور أسطول الظل
ظهر “أسطول الظل” بشكل ملحوظ بعد فرض عقوبات على روسيا في عام 2022، إثر اندلاع الحرب في أوكرانيا. وتهدف هذه العقوبات إلى تقليل قدرة روسيا على تمويل حربها من خلال تقييد صادراتها النفطية. ومع ذلك، تمكنت روسيا من الحفاظ على جزء كبير من صادراتها النفطية من خلال الاعتماد على هذا الأسطول السري.
وبحسب دراسة حديثة نشرتها مجلة فوربس، فإن “أسطول الظل” الروسي ينقل حاليًا حوالي 3.7 مليون برميل من النفط يوميًا، وهو ما يمثل 65% من صادراتها النفطية البحرية. ويولد هذا الأسطول إيرادات سنوية تقدر بنحو 87-100 مليار دولار، مما يتيح لروسيا الاستمرار في تمويل حربها.
الدول المتورطة في نشاط أسطول الظل
بالإضافة إلى روسيا، تتورط دول أخرى في نشاط “أسطول الظل”، بما في ذلك إيران وفنزويلا. تسعى هذه الدول إلى تجاوز العقوبات المفروضة عليها من خلال استخدام هذه الشبكة السرية لتهريب النفط وبيعها في الأسواق العالمية.
وتشير البيانات إلى أن الصين والهند هما الوجهتان الرئيسيتان للنفط الذي يتم تهريبه عبر “أسطول الظل”. وتستفيد هذه الدول من انخفاض أسعار النفط المهرب، مما يعزز اقتصاداتها ويقلل من اعتمادها على مصادر النفط التقليدية.
كما أن هناك دولًا أخرى تقدم خدمات لوجستية ومالية لـ”أسطول الظل”، مثل بعض الدول في منطقة الشرق الأوسط ودول أفريقيا. وتستفيد هذه الدول من الرسوم والعمولات التي تحصل عليها من تسهيل عمليات التهريب.
العمليات العسكرية وتأثيرها على أسطول الظل
في الآونة الأخيرة، كثفت الولايات المتحدة وحلفاؤها من جهودها لمكافحة نشاط “أسطول الظل”. وتشمل هذه الجهود عمليات عسكرية تستهدف السفن المشتبه بها، بالإضافة إلى فرض عقوبات على الشركات والأفراد المتورطين في عمليات التهريب.
وقامت البحرية الأمريكية بمصادرة عدة ناقلات نفط تحمل شحنات من النفط الفنزويلي، في إطار حملة تهدف إلى تقويض نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو. كما أعلنت الولايات المتحدة عن مكافآت مالية لمن يقدم معلومات تؤدي إلى القبض على المتورطين في عمليات تهريب النفط.
في الوقت نفسه، تشهد المياه الدولية عمليات استهداف متزايدة لسفن مرتبطة بـ”أسطول الظل”، كما حدث في البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، مما يشير إلى تصاعد التوترات العسكرية في هذه المناطق. وتتهم أوكرانيا روسيا باستخدام “أسطول الظل” لنقل الأسلحة والمعدات العسكرية، وهو ما تنفيه موسكو بشدة.
المستقبل وما يجب مراقبته
من المتوقع أن يستمر نشاط “أسطول الظل” في التزايد في المستقبل القريب، ما لم يتم اتخاذ إجراءات فعالة لمكافحة عمليات التهريب وتطبيق العقوبات الدولية. ويتطلب ذلك تعاونًا دوليًا وثيقًا وتبادلًا للمعلومات الاستخباراتية، بالإضافة إلى تطوير تقنيات جديدة لتتبع السفن المشتبه بها.
يجب مراقبة تطورات الوضع في البحر الكاريبي والبحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط عن كثب، حيث من المرجح أن تشهد هذه المناطق المزيد من التوترات العسكرية والاقتصادية. كما يجب الانتباه إلى ردود فعل الدول المتورطة في نشاط “أسطول الظل”، وكيف ستتكيف مع الإجراءات المتخذة لمكافحة عمليات التهريب.
في غضون الأشهر القليلة القادمة، من المتوقع أن تعلن الولايات المتحدة عن حزمة عقوبات جديدة تستهدف الشركات والأفراد المتورطين في “أسطول الظل”، وأن تزيد من جهودها لمصادرة السفن المشتبه بها. ومع ذلك، يبقى من غير الواضح ما إذا كانت هذه الإجراءات ستكون كافية لتقويض نشاط هذا الأسطول السري بشكل كامل.













