يعد توقيع الحكومة المصرية صفقة رأس الحكمة -أكبر استثمار أجنبي مباشر في تاريخ البلاد- بمثابة نقطة فارقة في مسار الاقتصاد المصري خلال العام الجاري والأعوام المقبلة، في ظل ما تتيحه من سيولة دولارية تدعم قدرة البلاد على سد الفجوة التمويلية، ومواجهة الضغوطات المتفاقمة بشكل واسع خلال السنوات الأربعة الماضية.
منحت تلك الصفقة أريحية للحكومة المصرية من أجل اتخاذ القرار المُنتظر وهو “تحرير سعر الصرف” طبقاً لآليات العرض والطلب في السوق، ومن ثم توجيه ضربة قاصمة للسوق الموازية، لا سيما وأن التحرير مع وجود سيولة دولارية يحقق استقراراً للأسواق، بعكس التحرير مع وجود شح دولاري.
هذه الضربة القوية التي تعرضت لها السوق الموازية (أو السوداء كما يُطلق عليها) يُعتقد على نطاق واسع بأن من شأنها السيطرة على مستويات الأسعار المرتفعة في عديد من القطاعات، لا سيما وأن التسعير فيها كان يتم من خلال دولار السوق الموازية، وعلى رأسها قطاع العقارات، الذي من المنتظر أن يتأثر إلى حد ما بتلك الخطوات.. فكيف يُمكن أن يكون شكل ذلك التأثير؟ وما هي الانعكاسات المحتملة على الأسعار؟ ومتى يُمكن ترجمة ذلك أو الشعور به من قبل المواطنين بشكل مباشر داخل مصر؟
كانت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، قد رفعت سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 600 نقطة أساس ليصل إلى 27.25 بالمئة، 28.25 بالمئة و27.75 بالمئة، على الترتيب.
ورفع المركزي المصري كذلك رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 600 نقطة أساس ليصل إلى 27.75 بالمئة. وذلك في اجتماع استثنائي للجنة السياسة النقدية.
مواد البناء
يقول رئيس شعبة مواد البناء بغرفة القاهرة التجارية، أحمد الزينى، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن:
- قرارات البنك المركزي التي صدرت الأربعاء، أدت إلى وصول سعر الدولار في البنوك إلى مستوياته في السوق الموازية، الأمر الذي سيؤدي بطبيعة الحال إلى استقرار الأسعار وتثبتها.
- هذه القرارات تعمل على تشجيع الاستثمار واستقرار السوق وثبات التكلفة، خاصة بعدما شهدنا في الآونة الأخيرة حالة كبيرة جراء ارتفاعات الأسعار نتيجة ارتفاع سعر الدولار، واستيراد المواد الخام من الخارج.
- المطورون العقاريون كانوا قد سعروا الدولار ما بين 70 إلى 80 جنيهاً، ولكن تراجعه في الوقت الراهن ليصل إلى 50 جنيهاً أو أقل سيؤدي إلى استقرار الأسعار وتثبتها.
ويوضح الزيني أن أسعار الحديد بلغت نحو 62 ألف جنيه للطن قبل القرارات الأخيرة، وإذا ارتفعت أكثر من ذلك ينعكس هذا على القطاع بشكل أوسع ويحدث حالة من الركود.
ويؤكد أن أسعار العقارات غير مرشحة لمزيد من الارتفاعات في الفترة المقبلة بعد تحرير سعر الصرف، إنما يُتوقع أن يحدث ثبات في السوق والتكلفة.
ويتراوح سعر طن الحديد في مصر ما بين 49000 إلى 53000 جنيه في مصر، الخميس. فيما يتراوح سعر طن الأسمنت ما بين 1910 و23400.
ويشار إلى أن “قطاع العقارات المصرى يمثل أكثر من 20 بالمئة من الناتج المحلى الإجمالى كما يقوم القطاع بدور محورى فى تحقيق التنمية الاقتصادية فى مختلف دول العالم، كما يعد محركًا رئيسيًا للنمو والاستثمار وتوفير فرص العمل ويسهم فى توفير الوحدات السكنية للمواطنين وتنمية مشروعات البنية التحتية”، وفقاً لما ذكره في وقت سابق رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي.
المسار الصحيح
وإلى ذلك، يقول الخبير العقاري عبد الحميد جادو، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن:
- قرار البنك المركزي بتحرير سعر الصرف يُعيد المشهد الاقتصادي إلى مساره الطبيعي، كما أنه عدّل الخطأ الواقع بوجود سعرين للدولار، السعر الرسمي وآخر في السوق السوداء.
- كانت التعاملات الأساسية (في قطاع العقارات والقطاعات المرتبطة به) بسعر السوق السوداء وليس بالسعر الرسمي للدولة، مما أحدث زيادة كبيرة في الأسعار بشكل عام وعلى قطاع العقارات بشكل خاص، الأمر الذي أدى إلى زيادة أسعار مدخلات الصناعة.
- السوق العقارية شأنها شأن الاستثمارات كافة تتأثر بسعر الدولار والتضخم، خاصة أنها من أهم القطاعات المؤثرة على الاقتصاد في أية دولة.
- وبالتالي فإن وجود سعر موحد للدولار الأميركي في مصر يؤدي إلى ارتفاع معدل النمو وانخفاض التضخم واستقرار نسبي للسوق مع زيادة الإنتاج بشكل أساسي.
ويشير إلى أن استقرار الأسعار في السوق مرتبط باستقرار سعر الدولار، ولا يستطيع أي شخص تحديد اتجاهات المشهد العقاري إلا بعد استقرار الجنيه أمام الدولار، حيث إن الاستقرار يعمل على تنشيط حركة البيع والشراء.
واستقرت العملة المصرية عند نحو 49.5 جنيه للدولار مع افتتاح السوق، الخميس، بعد يوم من سماح البنك المركزي للعملة بالانخفاض، وتعهده بالتحول إلى نظام صرف أكثر مرونة بالتزامن مع توقيع مصر على برنامج قرض موسع بقيمة ثمانية مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي.
وقبل خفض قيمة العملة، الأربعاء، والزيادة الكبيرة في أسعار الفائدة، أبقى البنك المركزي العملة لمدة عام تقريبا عند سعر يقل قليلا عن 31 جنيها للدولار.
ارتفاع الأسعار
على الجانب الآخر، يقول الخبير العقاري إسماعيل طنطاوي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن قرار البنك المركزي بتحرير سعر الصرف يؤثر على أسعار العقارات في الفترة المقلبة، ومن الممكن أن يؤدي إلى ارتفاع مؤقت في الأسعار.
ويوضح أن هذه القرارات جاءت في وقتها المناسب لتصحيح مسار الاقتصاد المصري، بعد أن واجه الكثير من التحديات في الآونة الأخيرة.
ويضيف: تثبيت سعر الدولار مرتبط بدور الدولة في قيامها بأطروحات ومشروعات استثمارية ضخمة على غرار صفقة “رأس الحكمة”، بنظام المشاركة والنسب.
ويشير إلى أن استقرار السوق العقارية مرتبط باستقرار سعر الدولار، فسعر السوق هو من يحدد وجه المطورين العقاريين في ارتفاع الأسعار من تراجعها، ويعد العامل الرئيسي المتحكم في القرارات السعرية.