غزة – للعام الثالث على التوالي، يخيّم الحزن على أعياد الميلاد في قطاع غزة، حيث يفتقد المسيحيون فرحة العيد المعهودة بسبب الحرب المستمرة والظروف الإنسانية الصعبة. تغيب شجرة عيد الميلاد عن العديد من البيوت، بما في ذلك بيت ليزا الصوري التي قضت مع عائلتها في قصف إسرائيلي، لتصبح رمزًا لفقدان الأمل والسلام في القطاع. هذا العام، تأتي الاحتفالات بـأعياد الميلاد في غزة محاولةً لإحياء بعض التقاليد وسط الدمار والنزوح.
وتشهد غزة صعوبات جمة في إحياء هذه المناسبة، بدءًا من القيود المفروضة على حركة الأفراد وصولًا إلى نقص الموارد الأساسية. فالحرب الإسرائيلية المستمرة تركت جروحًا عميقة في نفوس السكان، وأثرت بشكل كبير على قدرتهم على الاحتفال والفرح.
فرحة منقوصة في ظل الحرب على غزة
تحاول مي عياد، أم لثلاثة أطفال، إعادة بعض طقوس عيد الميلاد إلى منزلها بعد عامين من الحرب التي أجبرتها على النزوح. وتقول مي إن ابنتها الصغرى، مريم، لا تعرف الكثير عن عيد الميلاد، حيث نشأت في ظل القصف والجوع. ومع ذلك، تأمل مي أن تتمكن من اصطحاب أطفالها إلى الكنيسة لرؤية شجرة عيد الميلاد وإحياء بعض التقاليد التي حرموا منها.
وتضيف مي أن مريم تعرفت على “بابا نويل” من خلال مقاطع الفيديو على الإنترنت، وتسأل عنها باستمرار. وتتمنى مي أن يأتي عيد الميلاد هذا العام بسلام وفرح، وأن تتمكن من الاجتماع ببقية أفراد عائلتها في الضفة الغربية.
قيود على الوصول إلى الأماكن المقدسة
للعام الثالث على التوالي، تواصل إسرائيل إغلاق معبر بيت حانون، مما يمنع الفلسطينيين المسيحيين من السفر إلى مدينة بيت لحم لحضور مراسم عيد الميلاد في كنيسة المهد. ويعتبر هذا الإجراء جزءًا من العقوبات الجماعية التي تفرضها إسرائيل على سكان غزة.
وفي السنوات التي سبقت الحرب، كانت إسرائيل تعرقل سفر العديد من المسيحيين، لكنها كانت تسمح لبعض النساء وكبار السن بالمرور. أما الآن، فمنع إسرائيل خروج أي شخص من غزة.
استهداف البنية التحتية الدينية
أفادت مصادر محلية بأن القوات الإسرائيلية استهدفت بشكل مباشر ثلاث كنائس رئيسية خلال الحرب، مما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة منها وإلحاق أضرار جسيمة بمبانيها التاريخية. ويعتبر هذا الاستهداف انتهاكًا صارخًا لحرية العبادة وحقوق الإنسان.
ووفقًا لإحصائيات حديثة، قُتل أكثر من 20 مسيحيًا فلسطينيًا في غزة خلال الحرب، وهو ما يمثل نسبة تزيد عن 3% من إجمالي عدد المسيحيين في القطاع. اضطر المئات منهم أيضًا إلى مغادرة غزة بحثًا عن الأمان.
غربة قسرية وتحديات إنسانية
تعيش عبير متّى تجربة قاسية بعد أن اضطرت إلى مغادرة غزة مع مريضة لتلقي العلاج في مصر، ولم تتمكن حتى الآن من العودة بسبب إغلاق معبر رفح. وتقول عبير إنها اعتادت على الاحتفال بعيد الميلاد مع عائلتها في الضفة الغربية عبر الإنترنت، بسبب القيود المفروضة على سفرها.
وتتذكر عبير كيف كانت والدتها تسافر إلى بيت لحم قبل وفاتها لشراء الهدايا لأحفادها. وتشير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يحرم المسيحيين في غزة من هذه الطقوس والتقاليد.
محاولات لإحياء الأمل
يقول إلياس الجلدة، عضو مجلس وكلاء الكنيسة الأرثوذكسية في غزة، إن عيد الميلاد هذا العام يأتي في ظل ظروف صعبة للغاية، لكنهم يحاولون إحياء بعض الأمل والفرح في قلوب الناس. ويوضح أن الكنيسة ستضيء شجرة عيد الميلاد داخل مبانيها، لإشعار الأطفال والعائلات بأن الفرح قادم.
ويشير الجلدة إلى أن الكنيسة شيعت 27 مسيحيًا فلسطينيًا قتلوا في غزة خلال الحرب. ويؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي منع المسيحيين في غزة من الاحتفال بعيد الميلاد مرتين في السنوات الأخيرة.
وتشير التقديرات إلى أن عدد المسيحيين في غزة حاليًا يبلغ 667 شخصًا، بعد أن انخفض بشكل كبير بسبب الحرب والظروف المعيشية الصعبة.
مع استمرار الحرب في غزة، يظل مستقبل أعياد الميلاد في غزة غير مؤكد. ويتوقف الكثير على التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وإعادة بناء البنية التحتية المدمرة. من المتوقع أن تستمر القيود على حركة الأفراد، مما سيؤثر على قدرة المسيحيين في غزة على الاحتفال بعيد الميلاد بحرية. يجب مراقبة تطورات الوضع الإنساني والأمني في غزة لمعرفة ما إذا كان سيتمكن المسيحيون من إحياء أعياد الميلاد في العام المقبل بسلام وأمان.













