الجزائر – يشهد قطاع الألبان في الجزائر تطوراً كبيراً مع مشروع ضخم لإنتاج الألبان والحليب المجفف، وهو شراكة بين قطر والجزائر، يُتوقع أن يعزز الأمن الغذائي ويفتح آفاقاً جديدة للاستثمار. ويُعد هذا المشروع، الذي تبلغ قيمته 3.5 مليار دولار، الأكبر من نوعه عالمياً، ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج في عام 2026.
يأتي هذا الاستثمار بعد أشهر من بدء المرحلة الأولى من المشروع، الذي يجمع بين شركة “بلدنا” القطرية، التي تمتلك 51% من الأسهم، والصندوق الوطني للاستثمار الجزائري بنسبة 49%. ويهدف المشروع إلى تلبية جزء كبير من الطلب المحلي على الحليب ومشتقاته، وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
مشروع “بلدنا الجزائر”: خطوة نحو الأمن الغذائي
بدأت الأعمال الأولية للمرحلة الأولى من المشروع في سبتمبر/أيلول 2024، بعد توقيع اتفاقية إطار بين “بلدنا” والدولة الجزائرية في أبريل/نيسان السابق. تتضمن الاتفاقية إنشاء منظومة زراعية صناعية متكاملة تشمل تربية الأبقار الحلوب، وإنتاج الحليب المجفف، ومشتقاته. ويعتبر هذا المشروع خطوة استراتيجية نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الألبان.
يمتد المشروع على مساحة إجمالية تبلغ 117 ألف هكتار بولاية أدرار (جنوب غرب الجزائر)، ويقسم إلى ثلاثة أجزاء رئيسية. يشمل كل جزء مزرعة لإنتاج الحبوب والأعلاف، ومزرعة لتربية الأبقار، ومصنع لإنتاج الحليب المجفف ومشتقاته. يهدف هذا التصميم المتكامل إلى ضمان استدامة الإنتاج وتقليل التكاليف.
مراحل التنفيذ والإنتاج المتوقع
سيتم تنفيذ المشروع على أربع مراحل، تبدأ في عام 2026 وتستمر لمدة تسع سنوات. ومن المتوقع أن ينتج المشروع حوالي 194 ألف طن من الحليب المجفف سنوياً. تتضمن المرحلة الأولى استصلاح حوالي 100 ألف هكتار، وإنشاء 700 وحدة ري محوري لزراعة الأعلاف، بالإضافة إلى إنشاء مزرعتين لتربية الأبقار ومصنع واحد لإنتاج الحليب المجفف.
تعتمد الخطة على استيراد سلالات أبقار عالية الإنتاجية وقادرة على التأقلم مع المناخ المحلي. ومن المتوقع أن يصل إجمالي عدد الأبقار في السنة التاسعة من انطلاق المشروع إلى 270 ألف رأس، مع إنتاج حوالي 1.7 مليار لتر من الحليب سنوياً. هذا الإنتاج الضخم سيساهم بشكل كبير في تلبية احتياجات السوق المحلي.
شراكات دولية لتعزيز المشروع
في يوليو/تموز الماضي، وقعت شركة “بلدنا الجزائر” اتفاقيات مع شركات دولية متخصصة للمساهمة في المراحل الفنية والتقنية للمشروع. شملت الاتفاقيات شركة “جي إي إيه” (GEA) الألمانية لتصميم مصنع الحليب ومزارع الأبقار، وشركة “فالمونت” (Valmont) الأمريكية لتصميم شبكات الري، وشركات أخرى رائدة في مجالاتها. تهدف هذه الشراكات إلى ضمان تطبيق أحدث التقنيات والمعايير العالمية في المشروع.
بالإضافة إلى الشركات الدولية، تشارك أيضاً شركات جزائرية بارزة في تنفيذ المشروع، مثل “كوندور ترافوكوفيا” و”ريد ميد” و”إفورهايد”. هذا التعاون بين الشركات المحلية والدولية يعزز نقل الخبرات والتكنولوجيا إلى الجزائر.
الفوائد الاقتصادية المتوقعة
يتوقع أن يحقق مشروع “بلدنا الجزائر” فوائد اقتصادية كبيرة، بما في ذلك تلبية 50% من احتياجات الجزائر من مسحوق الحليب محلياً، وتوفير اللحوم الحمراء للسوق الجزائري، وخلق حوالي 5 آلاف فرصة عمل. كما سيساهم المشروع في تقليل فاتورة الاستيراد وتعزيز الأمن الغذائي للبلاد. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يساهم المشروع في تنويع الاقتصاد الجزائري وتقليل الاعتماد على النفط والغاز.
يرى خبراء الاقتصاد أن المشروع يمثل نموذجاً ناجحاً للشراكة بين القطاعين العام والخاص، ويفتح الباب أمام المزيد من الاستثمارات الأجنبية في الجزائر. كما يعزز العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وقطر، ويساهم في تحقيق التنمية المستدامة في كلا البلدين.
من المتوقع أن تستمر أعمال البناء والتجهيز في المشروع بوتيرة متسارعة خلال الأشهر القادمة، مع التركيز على استكمال المرحلة الأولى في الوقت المحدد. وستشهد الفترة القادمة المزيد من الشراكات والتعاونات بين الشركات الجزائرية والدولية لضمان نجاح المشروع وتحقيق أهدافه الاستراتيجية. وستراقب الحكومة الجزائرية عن كثب تقدم المشروع، وتعمل على تذليل أي عقبات قد تواجهه.













