يواجه الاتحاد الأوروبي ضغوطًا متزايدة لحسم كيفية تمويل المساعدات العسكرية والمالية لأوكرانيا، مع تصاعد النقاش حول استخدام الأصول الروسية المجمدة كضمانة للقروض، وهو ما يثير جدلاً قانونيًا وسياسيًا معقداً. يأتي هذا في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتزايد الحاجة الملحة لدعم كييف، بالإضافة إلى الضغوط الأمريكية على أوروبا لزيادة مساهماتها.
القمة الأوروبية وتحديات تمويل الدفاع الأوكراني
من المقرر أن يعقد قادة الاتحاد الأوروبي قمة في بروكسل لمناقشة سبل توفير تمويل إضافي لأوكرانيا، وذلك بعد تأخر المساعدات الأمريكية وتصاعد القتال في الشرق الأوكراني. تتعرض كييف لضغوط متزايدة من أجل التوصل إلى اتفاق سلام، بينما تحقق القوات الروسية مكاسب ميدانية محدودة.
أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن دعم أوكرانيا ضروري لأمن أوروبا، مشيرة إلى أن الأيام القادمة ستكون حاسمة في اتخاذ القرارات اللازمة. وشددت على أن أوروبا يجب أن تتحمل مسؤولية أمنها بشكل أكبر، وأن الاعتماد على أطراف أخرى أصبح غير مستدام.
خيارا التمويل المطروحان
اقترحت فون دير لاين مسبقًا خيارين رئيسيين: الاقتراض المشترك على مستوى الاتحاد الأوروبي، أو ما يسمى بـ”قرض التعويضات” الذي يعتمد على الأصول الروسية المجمدة كضمانة. ويمثل هذا الخيار الثاني بديلاً جذابًا لبعض الدول، ولكنه يثير مخاوف قانونية كبيرة.
بلجيكا و”يوروكلير”: مركز المعضلة القانونية
تستضيف بلجيكا حصة الأسد من الأصول الروسية المجمدة داخل الاتحاد الأوروبي، والتي تقدر بنحو 210 مليار يورو. ومع ذلك، تعرب بلجيكا عن قلقها العميق بشأن المسؤولية القانونية المحتملة في حال تم استخدام هذه الأصول بشكل قد يؤدي إلى رد فعل من روسيا.
هدد البنك المركزي الروسي بمقاضاة شركة “يوروكلير” البلجيكية (Euroclear)، المطالبة بتعويضات تصل إلى 230 مليار دولار، إثر تجميد الأصول الروسية. يثير هذا احتمال قيام محاكم في دول صديقة لروسيا بمصادرة أصول غربية ردًا على ذلك.
وتعارض إيطاليا بشدة استخدام الأصول الروسية دون إطار قانوني دولي واضح، حيث ترى رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني أن ذلك قد يمنح روسيا “انتصارًا” في الحرب. تقترح ميلوني بدلاً من ذلك أن يقوم الاتحاد الأوروبي بالاقتراض المشترك لتوفير التمويل اللازم.
في المقابل، يدعم المستشار الألماني، أولاف شولتس، فكرة استخدام ما يصل إلى 90 مليار يورو من الأصول الروسية المجمدة لتمويل المساعدات الدفاعية لأوكرانيا. ويعتقد أن هذا الإجراء قد يثني روسيا عن مواصلة الحرب.
آلية “قرض التعويضات” وكيفية عملها
يقترح “قرض التعويضات” أن يمنح الاتحاد الأوروبي أوكرانيا قرضًا بقيمة 90 مليار يورو، يتم تمويله من خلال الاقتراض مقابل الأصول الروسية المجمدة لدى “يوروكلير”. لن يتم سداد هذا القرض إلا في حالة قيام روسيا بدفع تعويضات لأوكرانيا في المستقبل.
على الرغم من تأكيدات مسؤولي الاتحاد الأوروبي بأن حقوق الملكية الروسية في هذه الأصول لن تتأثر، إلا أن روسيا تعتبر هذا الإجراء بمثابة “سرقة” وهددت باتخاذ إجراءات انتقامية. يمثل هذا التهديد تحديًا إضافيًا للدول الأوروبية التي تفكر في هذا الخيار.
الانقسامات الداخلية وعقبة الإجماع
يعتقد بعض المسؤولين الأوروبيين أن “قرض التعويضات” هو الحل الأكثر واقعية، نظرًا لأن استخدام ميزانية الاتحاد الأوروبي يتطلب إجماعًا بين جميع الدول الأعضاء، وهو أمر صعب المنال بسبب معارضة المجر.
على النقيض من ذلك، لا يتطلب “قرض التعويضات” سوى أغلبية الدول الأعضاء للموافقة عليه. ومع ذلك، تم توجيه تحذيرات دبلوماسية بشأن تهميش بلجيكا أو تحميلها أعباء مالية وقانونية غير متناسبة.
سبق للاتحاد الأوروبي أن لجأ إلى آليات طارئة لتجميد الأصول الروسية على المدى الطويل، لتجنب إمكانية إسقاط العقوبات من قبل دول مثل المجر. كما اقترحت بلجيكا توسيع نطاق هذه الآليات لإطلاق قرض أوروبي مضمون بميزانية الاتحاد، إلا أن هذا الاقتراح واجه اعتراضات من بعض الدول الأخرى.
في الختام، يواجه الاتحاد الأوروبي قرارًا صعبًا بشأن كيفية دعم أوكرانيا ماليًا وعسكريًا. من المتوقع أن تشهد القمة القادمة في بروكسل مناقشات مكثفة حول هذا الموضوع، مع عدم وجود ضمان للتوصل إلى اتفاق. تعتبر مواقف الدول الأعضاء المتنوعة، والمخاوف القانونية، والتهديدات الروسية عوامل أساسية ستحدد مسار المفاوضات. الأصول الروسية المجمدة ستظل في مركز هذه المناقشات، وسيكون من الضروري مراقبة التطورات عن كثب في الأيام والأسابيع القادمة. بالإضافة إلى ذلك، سيراقب المراقبون رد فعل روسيا المحتمل على أي قرار يتخذه الاتحاد الأوروبي بشأن هذه الأصول.












