أعطت دول الاتحاد الأوروبي موافقتها المبدئية على مسودة تشريع جديدة تهدف إلى تسريع عمليات ترحيل المهاجرين من أراضيها، وذلك من خلال إنشاء مراكز خاصة لإعادة المهاجرين. جاءت الموافقة في اجتماع الاثنين، وتفتح الباب أمام إمكانية إبعاد المهاجرين غير النظاميين إلى دول ثالثة بموجب اتفاقيات ثنائية، في خطوة تثير جدلاً واسعاً بين مؤيديها ومنتقديها.
يهدف التشريع الجديد، الذي يُعرف باسم “تنظيم العودة”، إلى معالجة مسألة انخفاض معدلات تنفيذ أوامر الترحيل في دول الاتحاد الأوروبي. ووفقًا لبيانات المفوضية الأوروبية، لا يتم تنفيذ سوى حوالي 20% من أوامر الترحيل الصادرة، مما دفع إلى البحث عن آليات جديدة لزيادة الفعالية.
مراكز ترحيل المهاجرين: آلية جديدة أم خطر محدق؟
تعتبر “مراكز العودة” جوهر هذا التشريع الجديد. وستعمل هذه المراكز كنقاط عبور مؤقتة أو مرافق إقامة لفترات أطول، بهدف تسهيل عملية ترحيل المهاجرين الذين ليس لديهم الحق في البقاء في الاتحاد الأوروبي. يعتمد نجاح هذه المراكز بشكل كبير على الاتفاقيات الثنائية التي ستبرمها كل دولة عضو مع دول خارج الاتحاد.
شروط وآليات الترحيل
وفقًا للمقترح، يمكن للدول الأعضاء إبعاد المهاجرين إلى دول ثالثة شريطة وجود اتفاقات مسبقة تضمن احترام حقوق الإنسان والمعايير القانونية الدولية. وقد تلعب هذه الدول دورًا في إعادة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية. أشارت تقارير إلى أن إزالة شرط “الارتباط” بالدولة الثالثة، وهو شرط كان معمولاً به سابقاً، يمنح الدول الأعضاء مرونة أكبر في اختيار وجهات الترحيل.
انتقادات واسعة من منظمات حقوقية
ثارت معارضة قوية من قبل منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، التي ترى في هذه المراكز ممارسة غير إنسانية قد تؤدي إلى انتهاكات لحقوق المهاجرين. وحذرت أكثر من مئة منظمة، بما في ذلك العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، في بيان مشترك صدر في يوليو الماضي، من أن التشريع قد يدفع الاتحاد الأوروبي إلى تجاهل التزاماته الدولية ويفتح الباب أمام عمليات ترحيل غير قانونية واحتجاز تعسفي.
بالإضافة إلى ذلك، يثير التشريع مخاوف بشأن إمكانية احتجاز المهاجرين لفترات طويلة في هذه المراكز، وظروف الإقامة والمعاملة داخلها. وتطالب المنظمات الحقوقية بضمانات قوية لحماية حقوق المهاجرين، بما في ذلك الحق في الوصول إلى محامٍ، والحق في الطعن في قرارات الترحيل.
ويرتبط هذا التشريع بشكل عام بجهود أوسع لفرض قيود أكثر صرامة على الهجرة غير النظامية إلى أوروبا. وتأتي هذه الجهود في ظل ضغوط متزايدة من الرأي العام وصعود الأحزاب السياسية التي تدعو إلى سياسات هجرة أكثر تقييدًا. كما يهدف التشريع إلى تسريع ترحيل أولئك الذين رفضت طلباتهم للجوء أو الإقامة.
وتسعى المفوضية الأوروبية من خلال هذا القانون إلى رفع نسبة تنفيذ أوامر الترحيل، وفرض عواقب أشد على من يرفضون التعاون مع السلطات، مثل سحب تصاريح العمل أو فرض عقوبات جنائية قد تصل إلى السجن. كما يهدد التشريع الدول التي ترفض استعادة مواطنيها بعقوبات قد تؤثر على علاقاتها الثنائية مع الدول الأوروبية. وقد شهدت العلاقات بين فرنسا والجزائر توترًا مؤخرًا بسبب مسألة إعادة المواطنين الجزائريين.
علاوة على ذلك، يتضمن التشريع مبدأ الاعتراف المتبادل بقرارات الترحيل داخل الاتحاد الأوروبي. وهذا يعني أنه في حال صدور قرار ترحيل في إحدى الدول الأعضاء، فإنه سيصبح ساري المفعول في جميع الدول الأخرى، مما يسهل عملية الإبعاد. تعتبر هذه النقطة بالغة الأهمية، حيث كانت قرارات الترحيل في السابق ملزمة فقط في الدولة التي أصدرتها.
الآن، ينتظر مشروع القانون مصادقة البرلمان الأوروبي ليصبح قانونًا نافذًا. من المتوقع أن تكون المناقشات في البرلمان الأوروبي حادة ومثيرة للجدل، حيث من المرجح أن يواجه التشريع معارضة من بعض النواب الذين يدافعون عن حقوق المهاجرين. يجب أن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بين البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي قبل أن يتمكن التشريع من الدخول حيز التنفيذ، وهو ما قد يستغرق عدة أشهر.
من الأمور التي يجب مراقبتها عن كثب في الفترة المقبلة هي طبيعة الاتفاقيات الثنائية التي ستبرمها الدول الأعضاء مع دول ثالثة، وكيف سيتم تطبيق هذه الاتفاقيات على أرض الواقع. كما سيكون من المهم متابعة تأثير التشريع على معدلات تنفيذ أوامر ترحيل المهاجرين، وعلى حقوق المهاجرين أنفسهم. بالإضافة إلى ذلك، يجب الانتباه إلى ردود فعل الدول التي قد تتأثر ببنود التشريع المتعلقة باستعادة المواطنين.













