ناشدت وسائل إعلام عامة أميركية جمهورها، عبر حملات شعبية، دعمها ماليا بعد مصادقة الكونغرس على قرار الرئيس دونالد ترامب إيقاف تمويلها، البالغ 1.1 مليار دولار.
وأجاز الكونغرس الأميركي، الجمعة الماضي، اقتراحا يقضي بوقف التمويل الفدرالي لمؤسسة البث العام، والتي تتولى توزيع الأموال على محطات الإعلام العامة في جميع أنحاء البلاد.
ووفق مركز نيمان لاب التابع لجامعة هارفارد، فستكون المحطات المحلية الأكثر تضررا من إلغاء التمويل، إذ يرجّح أن تضطر إلى تسريح موظفين وتقليص برامجها وغير ذلك من الإجراءات للتكيف مع القرار.
في حين حذر الاتحاد الوطني للمذيعين المجتمعيين، والذي يمثل 200 محطة مجتمعية أميركية، من أن وقف التمويل سيؤدي إلى مشاكل في السلامة العامة، عندما يتعذر على الناس في المدن الصغيرة والمناطق الريفية والمجتمعات القبلية من الوصول إلى المعلومات، لا سيما أثناء الأحداث الجوية الكبرى وحالات الطوارئ، إذ تعد محطات الراديو في تلك المناطق ذات أهمية بالغة.
وأضاف الاتحاد، في بيان، “لا يعيش جميع الأميركيين في مناطق تتمتع بخدمات إنترنت أو كابل أو خلوية موثوقة”، لافتا إلى أن الاستثمار الفدرالي في وسائل الإعلام العامة لا يعد ترفا، بل هو شريان الحياة، وفق وصفه.
كما حذرت الإذاعة الوطنية العامة “إن بي آر” (NPR) من الآثار المترتبة على وقف التمويل، وذكرت في موقعها الإلكتروني أن “هذا القرار مدمر لملايين الأشخاص الذين يعتمدون على وسائل الإعلام العامة كل يوم”.
مساع لسد فجوة التمويل
وكانت الإذاعة الوطنية العامة، والشبكة التلفزيونية الأميركية “بي بي إس” (PBS) وفروعهما المحلية تستعد لهذا القرار منذ أشهر، من خلال حملات لجمع التبرعات، ومناشدتهم لتقديم الدعم.
وأدى تمرير القرار إلى خسارات بملايين الدولارات لدى وسائل الإعلام المتأثرة، إذ ستخسر مثلا محطة لويزفيل للإعلام العام تمويلا بقيمة 376 ألف دولار، وأطلقت لتعويض ذلك حملة طارئة لجمع التبرعات وحفزت المتبرعين بهدايا، لكنها تمكنت من تجاوز هدفها بمقدار 68 ألف دولار في أقل من 24 ساعة.
ومنذ تمرير مشروع القانون، ظهرت جهود شعبية لسد فجوة التمويل، حيث أعدت شبكة حماية وسائل الإعلام العامة، نموذجا للمساعدة باستعادة التمويل، فيما أعد أليكس كيرلي، كاتب نشرة إخبارية تركز على وسائل الإعلام العامة، أداة توصي بتبني محطات يفترض أن تفقد أكثر من 50% من تمويلها، عبر التبرع.
ووفق مركز نيمان لاب، فقد عانت وسائل الإعلام العامة في جميع أنحاء العالم من تخفيضات في التمويل في السنوات الأخيرة، ففي عام 2024، أغلق الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، وكالة تيلام، واصفا إياها بـ”وكالة دعاية” للرئيسة السابقة كريستينا كيرشنر، وفي أبريل/نيسان الماضي، خفضت الحكومة الهولندية ميزانية هيئة الإذاعة العامة بمقدار 157 مليون يورو.
وكشفت منظمة مراسلون بلا حدود، في تقرير جديد، عن الضغوط التي تتعرض لها وسائل الإعلام العامة في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وسويسرا.
وقال المدير العام للمنظمة تيبو بروتين إن قرارات تقليص التمويل لوسائل الإعلام العامة حول العالم يميل إلى أن يلهم بعضها بعضا، لافتا إلى أن هجمات ترامب على وسائل الإعلام العامة مشابهة لتلك التي يشنها السياسيون في أوروبا، في حين أن الهجمات الأوروبية بدورها استلهمت المزيد من ترامب.
وأضاف بروتين “تخضع مؤسسات الإعلام العام للمصالح السياسية وتصبح بيادق في لعبة سياسية”، مشيرا إلى أن القيود المالية المشروعة في ظل اقتصاد صعب قد تُخفي تسييس التمويل العام واستغلاله لأغراض سياسية، وختم بالقول “غالبا ما يكون الطريق إلى الجحيم ممهدا بالنوايا المالية الطيبة”.