أثارت مركبات “بي إف إيه إس” (PFAS)، المعروفة على نطاق واسع باسم “المواد الكيميائية الأبدية”، قلقًا متزايدًا في جميع أنحاء العالم بسبب انتشارها الواسع في البيئة والأدلة العلمية المتراكمة التي تربطها بمشاكل صحية خطيرة. فقد كشفت تقارير حديثة عن وجود هذه المواد في مياه الشرب، والأطعمة، وحتى في المنتجات الاستهلاكية اليومية، مما يجعل تجنب التعرض لها تحديًا كبيرًا.
وفقًا لوكالة الأنباء الألمانية، فإن هذه المواد الكيميائية توجد في كل شيء تقريبًا، بدءًا من أدوات المطبخ وصولًا إلى مواد التعبئة والتغليف. وقد أظهرت الأبحاث التي أجريت في المملكة المتحدة عام 2024 أن 95٪ من عينات الفراولة التي تم تحليلها تحتوي على هذه المواد، بينما وجدت دراسة حديثة في عام 2025 في أوروبا أن حوالي 80٪ من منتجات الحلويات والمعكرونة والدقيق تحتوي على مركبات “بي إف إيه إس” التي تعطل عمل الهرمونات.
ما هي المواد الكيميائية الأبدية (PFAS)؟
مركبات “بي إف إيه إس” ليست مادة كيميائية واحدة، بل هي مجموعة تضم أكثر من 10 آلاف مادة كيميائية صناعية. تتميز هذه المواد بثباتها الاستثنائي، حيث تستغرق مئات السنين لتتحلل في البيئة، مما أكسبها لقب “المواد الكيميائية الأبدية”.
تتكون هذه المركبات من سلسلة من ذرات الكربون المرتبطة بالفلور، وهي هذه التركيبة الفريدة تمنحها خصائص مقاومة للحرارة والماء والزيوت والشحوم. ونتيجة لهذه الخصائص، تم استخدامها على نطاق واسع في العديد من الصناعات والتطبيقات منذ أربعينيات القرن الماضي.
تطبيقات واسعة النطاق
تستخدم المواد الكيميائية الأبدية في مجموعة متنوعة من المنتجات، بما في ذلك أواني الطهي غير اللاصقة، ومواد تعبئة وتغليف المواد الغذائية، والأقمشة المقاومة للماء، والسجاد، ومنتجات التنظيف، والدهانات، ورغوات إطفاء الحرائق. تعتبر هذه المواد ذات أهمية خاصة في الصناعات التي تتطلب مقاومة عالية للمواد الكيميائية والحرارة.
ومع ذلك، فإن هذا الانتشار الواسع يعني أيضًا أن البشر والحيوانات يتعرضون لهذه المواد بشكل مستمر من خلال مصادر مختلفة، مثل الغذاء والماء والهواء. وقد أثار هذا الأمر مخاوف جدية بشأن الآثار الصحية المحتملة للتعرض طويل الأمد لـ “بي إف إيه إس”.
المخاطر الصحية المرتبطة بالتعرض للمواد الكيميائية الأبدية
أظهرت الدراسات العلمية المتزايدة وجود صلة بين التعرض لمركبات “بي إف إيه إس” ومجموعة من المشاكل الصحية. تشمل هذه المشاكل تلف الكبد، وارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم، وضعف الاستجابة المناعية، وانخفاض وزن المواليد عند الولادة، بالإضافة إلى أنواع مختلفة من السرطان.
حتى مستويات التعرض المنخفضة على مدار فترة طويلة يمكن أن تكون ضارة، حيث تتراكم هذه المواد في الجسم بمرور الوقت. وتشير الأبحاث إلى أن “بي إف إيه إس” يمكن أن تؤثر على وظائف الغدد الصماء وتعطيل التوازن الهرموني، مما قد يؤدي إلى مشاكل صحية إضافية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه المواد يمكن أن تنتقل عبر البيئة وتلوث مصادر المياه والتربة، مما يزيد من نطاق التعرض المحتمل. وقد أدى هذا إلى ظهور مخاوف بشأن سلامة إمدادات الغذاء والماء في العديد من المناطق حول العالم.
كيفية تقليل التعرض للمواد الكيميائية الأبدية
تنصح الخبيرة في شؤون المواد الكيميائية يانا كولمان بالبحث عن المنتجات التي تحمل علامات “خالية من المواد الكيميائية الأبدية” أو “خالية من الفلوروكربونات” كإجراء وقائي. وتشير إلى أن هذه المواد غالبًا ما توجد في طلاءات أواني الطهي غير اللاصقة، وفي مواد معالجة الأحذية والأقمشة لجعلها مقاومة للماء، وكذلك في الأثاث والمفروشات والسجاد.
وتوضح كولمان أن هناك بدائل متاحة للعديد من هذه المنتجات، وأن اختيار المنتجات التي لا تحتوي على “بي إف إيه إس” يمكن أن يساعد في تقليل التعرض لهذه المواد الضارة. كما يمكن للمستهلكين الاستعانة بتطبيقات مسح المنتجات لمعرفة ما إذا كانت المنتجات التي يشترونها تحتوي على هذه المواد.
ومع ذلك، تؤكد التقارير على أن الانتشار الواسع لهذه المواد وتأثيرها طويل الأمد يعني أن معظم المستهلكين يتعرضون لها حتى مع محاولة تجنبها. وهذا يسلط الضوء على الحاجة إلى اتخاذ تدابير أكثر شمولاً للحد من استخدام هذه المواد وتقليل تلوثها في البيئة.
من المتوقع أن تواصل الهيئات التنظيمية في مختلف البلدان تقييم المخاطر المرتبطة بـ “بي إف إيه إس” وتطوير لوائح أكثر صرامة للحد من استخدامها. كما أن هناك جهودًا مستمرة لتطوير تقنيات جديدة لإزالة هذه المواد من البيئة وتنظيف المواقع الملوثة. ستكون المراقبة المستمرة للأبحاث والتطورات التنظيمية أمرًا بالغ الأهمية في السنوات القادمة.













