في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فقدت الساحة الأدبية الفلسطينية عدداً من أبرز مبدعيها وشعرائها، في استهدافٍ يُنظر إليه على أنه جزء من حملة ممنهجة تهدف إلى تدمير الهوية الثقافية الفلسطينية. وقد استشهد الشاعر والروائي سليم النفار، إلى جانب عدد من الأدباء والمثقفين، في قصفٍ إسرائيلي لمنزله، مما أثار موجة حزن وغضب واسعة في الأوساط الأدبية والثقافية الفلسطينية والعربية. هذا الاستهداف الثقافي يمثل خسارة فادحة للإرث الأدبي الفلسطيني.
النفار، الذي قضى شهوراً تحت ركام منزله قبل انتشال جثته مع أفراد عائلته، كان من أبرز الأصوات الشعرية في غزة، وعضواً في الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين. وقد أكدت مصادر في وزارة الثقافة الفلسطينية أن استشهاد النفار وعائلته يأتي في سياق استهدافٍ ممنهج للمثقفين والكتاب الفلسطينيين، بهدف إسكات أصواتهم وتقويض النضال الوطني.
الاستهداف الثقافي في غزة: جريمة ضد الإبداع والذاكرة
لم يكن سليم النفار الضحية الوحيدة في هذه الحرب. فقد استشهد أيضاً الشاعر رفعت العرعير، والكاتب والروائي نور الدين حجاج، والكاتبة هبة أبو ندى، بالإضافة إلى العديد من الأدباء والمثقفين الآخرين. وتشير التقارير إلى أن جيش الاحتلال استهدف بشكل مباشر منازل هؤلاء المبدعين، مما يثير تساؤلات حول دوافع هذه الاستهدافات.
وتشير وزارة الثقافة الفلسطينية إلى أن عدد الأدباء والمثقفين الذين استشهدوا في غزة منذ بدء العدوان تجاوز 118 شخصاً. بالإضافة إلى ذلك، وثقت الوزارة تدمير 25 مركزاً وجمعية ثقافية، و30 مؤسسة ثقافية، و87 مكتبة، و8 دور نشر ومطابع، و200 موقع أثري وتراثي. هذه الخسائر الفادحة تهدد بتدمير البنية الثقافية الفلسطينية بأكملها.
ضحايا من رموز الأدب الفلسطيني
الشاعر رفعت العرعير، الذي قضى في بداية العدوان، كان من أبرز مدرسي الأدب الإنجليزي في الجامعة الإسلامية بغزة. وقد عرف بعمله في تحرير العديد من الكتب والمؤلفات الأدبية، فضلاً عن نشاطه في دعم الإبداع الشبابي.
أما نور الدين حجاج، فقد كان روائياً وشاعراً متميزاً، وله العديد من المؤلفات التي تناولت قضايا وطنية وإنسانية. وقد شارك حجاج في العديد من المهرجانات والفعاليات الأدبية والثقافية في فلسطين وخارجها.
الكاتبة هبة أبو ندى، التي استشهدت في وقت لاحق، كانت من الأصوات الصاعدة في الأدب الفلسطيني، ولهذه رواية وقصائد حازت على تقدير كبير. وقد عرفت أبو ندى بأسلوبها المميز في الكتابة، وقدرتها على التعبير عن معاناة الشعب الفلسطيني.
تداعيات الاستهداف على المشهد الثقافي الفلسطيني
يؤكد المراقبون أن الاستهداف الثقافي في غزة يمثل محاولةً لإضعاف الهوية الفلسطينية وتقويض النضال الوطني. فمن خلال تدمير المؤسسات الثقافية واستهداف المبدعين، تسعى إسرائيل إلى محو الذاكرة الفلسطينية وإعادة تشكيل الوعي الجمعي.
ومع ذلك، يرى العديد من الأدباء والمثقفين الفلسطينيين أن هذه المحاولات لن تنجح. فالإبداع الفلسطيني سيظل مستمراً، وسينبعث من جديد رغم كل التحديات والصعوبات. ويؤكدون أن الثقافة الفلسطينية هي جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية، وأنها ستبقى حية في قلوب وعقول الفلسطينيين.
التراث الفلسطيني يتعرض لخطر حقيقي، حيث وثقت اليونسكو أضراراً لحقت بـ 110 مواقع ثقافية في قطاع غزة، بما في ذلك المواقع الدينية والأثرية والتاريخية. هذه الأضرار تمثل خسارة فادحة للتاريخ والثقافة الفلسطينية، وتتطلب جهوداً عاجلة للحفاظ على ما تبقى من هذا التراث.
تحركات دولية للضغط على إسرائيل
تسعى بعض المنظمات الدولية إلى الضغط على إسرائيل لوقف استهدافها للمؤسسات الثقافية والمبدعين الفلسطينيين. وتطالب هذه المنظمات بفتح تحقيق مستقل في هذه الجرائم، ومحاسبة المسؤولين عنها.
كما تطالب بتقديم المساعدات اللازمة لإعادة بناء البنية الثقافية في غزة، والحفاظ على التراث الفلسطيني. ومع ذلك، فإن هذه التحركات تواجه صعوبات كبيرة بسبب تعنت إسرائيل ورفضها التعاون مع المنظمات الدولية.
الحرب على غزة ليست مجرد صراع عسكري، بل هي أيضاً حرب على الثقافة والهوية. فمن خلال استهداف المؤسسات الثقافية والمبدعين، تسعى إسرائيل إلى تدمير الروح الفلسطينية وإخماد جذوة الإبداع. ولكن الفلسطينيين سيواصلون النضال من أجل الحفاظ على ثقافتهم وهويتهم، وسيبنون مستقبلاً أفضل لأجيالهم القادمة.
من المتوقع أن تستمر الجهود الدولية لتوثيق جرائم الاستهداف الثقافي في غزة، وتقديمها إلى المحكمة الجنائية الدولية. ومع ذلك، فإن تحقيق العدالة والمساءلة يتطلب إرادة سياسية قوية من المجتمع الدولي، وتعاوناً كاملاً من إسرائيل. يبقى الوضع في غزة معقداً وغير مؤكد، ويتطلب متابعة دقيقة وتدخلًا عاجلاً من المجتمع الدولي لحماية الثقافة والتراث الفلسطينيين.













