إلى أين يتجه إعلامنا السعودي؟ سؤال سمعته من صديق في المدينة المنورة، وكأنه يظن أن بيدي خريطة طريق للإعلام الوطني. ابتسمت وسألته بدهشة: وهل يمكن اختزال إعلام يمتد على مساحة شبه قارة في رؤية واحدة؟ إعلامنا ليس كتلة صماء، بل نسيج متنوع تتداخل فيه الأصوات والمناطق والاهتمامات والصناعات، ويتأثر باستراتيجيات كبرى ترسم ملامح المستقبل. يا صديقي، نحن بحاجة إلى منظومة إعلامية مترابطة تبدأ من القرية الصغيرة، مرورًا بالمحافظة والمدينة، وصولًا إلى الرياض؛ العاصمة التي تقود المشهد الإقليمي والدولي بخطاب متوازن، ورؤية تستوعب كل هذا التنوع وتوجهه نحو هدف وطني واحد: إعلام سعودي يعبّر عنا جميعًا.
وحين نتحدث عن الإعلام السعودي، فليس المقصود أن نحصره في القيادات بالعاصمة أو في الوزارة المركزية، ولا فيمن يدير محاور إعلامية داخلية أو خارجية باسم المملكة، بل إن الإعلام الحقيقي يبدأ من الفرد ذاته، ثم من إدارات الاتصال في المناطق، المتقاطعة مع أقسام الإعلام والعلاقات والاتصال في الجامعات. هذه الجهات هي التي تكتشف ملامح كل مدينة، وتبرز قوتها ومقدراتها ورؤيتها، وتربطها برؤية المملكة 2030. وعندما تنطلق كل منطقة من هذه المنهجية، وضمن الاستراتيجية الوطنية الكبرى، يمكننا أن نعرف حقًا إلى أين يتجه إعلامنا السعودي، وكيف يسير، ومتى يصل، وبأي أدوات ومقدرات، لنصل أخيرًا إلى جواب السؤال الكبير: إلى أين يتجه إعلامنا السعودي؟.
الواقع اليوم أننا نحمّل المشاهير مسؤولية توجيه بوصلة الإعلام نحو المشهد الإيجابي، بينما الحقيقة أن المشكلة أعمق من ذلك؛ فهي ليست مشكلة الأفراد، بل غياب وعي الفرد بإطار المجموعة. فالمجموعة تحتاج إلى خطط إعلامية واضحة تُبنى وتُنفذ على المدى القريب والمتوسط والبعيد، ويشارك الجميع في تفسيرها وتطبيقها. عندها فقط لن نضيع في بحار الإعلام، ولن نعود نوجه أصابع الاتهام في كل اتجاه باحثين عن المسؤول عن إعلامنا السعودي أو من نضعه في قفص الاتهام. فمثل هذا التفكير لا ينتج حلولًا، بل يمنح المتسبب في ضياع البوصلة الإعلامية فرصة للإفلات من المساءلة والاختباء خلف ضباب المشهد.
ولقيادة المشهد الإعلامي السعودي نحو آفاق أوسع، ينبغي صياغة خطة إعلامية وطنية كبرى ذات أهداف استراتيجية واضحة، تُبنى على أساس خطط إعلام المناطق كافة. فكل منطقة يمكنها إعداد خطتها المتوافقة مع رؤية المملكة 2030 بالانطلاق من مقدراتها المحلية وقوتها الذاتية. وتبدأ الخطوة بتحديد الهوية الإعلامية للمنطقة، وإبراز مواردها الطبيعية، ومقوماتها الاقتصادية، وتراثها الثقافي، وشخصياتها المؤثرة. ثم تُصاغ استراتيجية اتصال تبرز هذه الخصوصية ضمن الإطار الوطني العام، مع مواءمة الرسائل الإعلامية مع مستهدفات الرؤية في الاستدامة، والسياحة، والاستثمار، وجودة الحياة. ويُستحسن إشراك الجامعات، وغرف التجارة، والهيئات المحلية، والمؤثرين في صياغة هذه الخطط لتعزيز التكامل، وصولًا إلى إعلام سعودي موحد في الهدف، متنوع في التعبير.
عندما تنجح كل منطقة في صياغة خطة اتصال استراتيجية منسجمة مع توجهات الدولة، فإن المشهد الإعلامي السعودي سيشهد تحولًا نوعيًا في الانضباط والفاعلية. سيتشكل إعلام وطني متكامل، يعبّر عن تنوع المملكة وثرائها، ويعمل وفق رؤية موحدة تعزز الرسائل الإيجابية داخليًا وخارجيًا. هذا التكامل سيُسهم في رفع مستوى المصداقية والتأثير الإقليمي والدولي، ويجعل من الإعلام أداة تنموية داعمة للاقتصاد والثقافة والمجتمع. كما أن انخراط الجهات كافة — من مؤسسات وأفراد ومؤثرين — في تنفيذ هذه الخطط، سيخلق وعيًا جمعيًا مسؤولًا يقود نحو إعلام سعودي قوي، منظم، ومتسق في اتجاهه الوطني.
بقي القول إن سؤال: إلى أين يتجه إعلامنا السعودي؟ سؤال واسع لا يمكن الإجابة عنه في حديث عابر أو نقاش سريع أو لقاء جانبي في مؤتمر. فجوابه الحقيقي مرهون بقدرتنا على تحويل التنوع الإعلامي من مبادرات فردية إلى منظومة جماعية متكاملة، وعلى جعل اختلاف الثقافات والمقدرات بين المناطق تناغمًا يخدم الوطن. وعندما تتوحد الجهود وتُبنى الخطط على أسس علمية وواقعية، يصبح إعلامنا أكثر وعيًا وتأثيرًا في محيطه العربي والعالمي، ليقدّم صورتنا كما نريدها: واثقة، متزنة، ومعبّرة عن روح السعودية الجديدة ورؤيتها الطموحة 2030.