وكان الخلاف بين الجزائر وتجمع دول الساحل (مالي وبوركينا فاسو والنيجر) قد وصل إلى أقصاه يوم الإثنين. وعلا صوت التحقير على الكياسة الدبلوماسية بعدما أسقطت الجزائر مسيّرة مالية في آخر الشهر المنصرم، قالت إنها دخلت مجالها الجوي قرب بلدة تين زاوتين الحدودية.
في هذه الأثناء، ندد تحالف دول الساحل بتصرفات البلد العربي، ووصفها بأنها “عمل غير مسؤول” ينتهك القانون الدولي. وسرعان ما تعمّقت الأزمة الدبلوماسية غداة سحب الدول المتنازعة لسفرائها المتبادلين وأغلقوا مجالاتهم الجوية في وجه بعضهم.
اتهامات حول التعامل مع الطوارق
وتعيش مالي، التي انقلب فيها الجيش واستلم السلطة عام 2021، حربًا أهلية دامية منذ 2012 مع الطوارق أو الأزواد، الجماعات الجهادية التي تطالب باستقلال كيدال، شمال البلاد.
وكانت الحكومة المالية السابقة قد وقعت اتفاق سلام مع الطوارق عام 2015. أما بعد استلام المجلس العسكري للسلطة، تجددت الاشتباكات بين الجيش المالي المدعوم من قوات فاغنر، المرتزقة الروسية والحركات الأزوادية التي تتهم باماكو الجزائر العاصمة بالتواصل معها.
موعقب إسقاط الطائرة، هاجمت باماكو الجزائر قائلة إنها وبهذه الخطوة “ترعى الإرهاب”، خاصة وأن المسيرة كانت مجهزة لضرب أهداف المتمردين في شمال البلاد، حسب قولها.
الجزائر: الاتهامات محاولة بائسة لصرف النظر عن المشروع الانقلابي الفاشل
بدورها، نفت الجزائر اتهامات البلد الذي يشترك معها في حدود برية تصل إلى 1359 كيلومترًا، وقالت إن باماكو “تحاول أن تحمّلها مسؤولية مشاكلها الداخلية”.
وأوضح بيان لوزارة الخارجية الجزائرية أن “كل هذه الادعاءات الباطلة لا تمثل إلا محاولات بائسة ويائسة لصرف الأنظار عن الفشل الذريع للمشروع الانقلابي الذي لا يزال قائمًا والذي أدخل مالي في دوامة من اللا أمن واللا استقرار والخراب والحرمان”.
وتزعم مالي أن الطائرة المرسلة “لم تخرق أجواء الجزائر”، بينما تقول الأخيرة عكس ذلك.
من جهته، صرّح وزير أمن باماكو قائلًا إن بلاده “متيقنة من أن الطائرة المسيّرة التابعة للجيش قد دُمّرت نتيجة لعمل عدائي حُذّر له مسبقًا من قبل النظام الجزائري”.
وتابع: “المعطيات الدقيقة لمسار الطائرة المسجلة تُثبت أنها لم تغادر المجال الجوي للبلاد، كما أن نقطة انقطاع الاتصال بها وموقع حطامها يدلان على أنها لم تخرق أجواء الجزائر”.
واستمر التصعيد، بعدما أعلنت مالي يوم الأحد انسحابها من مجموعة عسكرية إقليمية تضم الجزائر منذ 15 عامًا، وأعربت عن نيتها بتقديم شكوى لدى الهيئات الدولية بشأن الطائرة.
الأزمة ليست وليدة اللحظة
ويعتقد بعض المراقبين أن الأزمة الحالية قد تُفضي إلى تصعيد خطير في المنطقة، حيث إنها ليست وليدة اللحظة، بل نتيجة تراكمات منذ عام 2023، نظرًا لوجود خلافات جذرية بين الجزائر والمجلس العسكري الحاكم في مالي، منها التباين في كيفية التعامل مع الجماعات المسلحة، وتنامي النفوذ الروسي في مالي، وغيره.
ومنذ استيلائها على السلطة، أعادت المجالس العسكرية في المنطقة تشكيل ميزان القوى في شمال غرب أفريقيا، إذ انسحب القادة العسكريون في دول الساحل من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، والمعروفة باسم الإيكواس، وأنشأوا شراكتهم الأمنية الخاصة في سبتمبر من العام الماضي.