أكد الدكتور حسين الشمراني، استشاري طب النمو والسلوك للأطفال والمراهقين، على أهمية إعداد الأبناء لمرحلة المراهقة من خلال التهيئة النفسية وتزويدهم بالأدوات اللازمة للتكيف، مع إعطائهم مساحة من المسؤولية. جاء ذلك خلال حديثه عبر “العربية fm”، حيث سلط الضوء على التحديات التي تواجه الأسر خلال هذه المرحلة وكيفية التعامل معها بفعالية. يعتبر التعامل مع المراهقة تحديًا شائعًا يواجه العديد من الآباء والأمهات في المنطقة العربية والعالم.
وشدد الشمراني على ضرورة بناء علاقة صحية قائمة على الثقة والاحترام المتبادل بين الوالدين وأبنائهم المراهقين. وأضاف أن المشاورة والمشاركة في الآراء تساهم في تعزيز هذه الثقة وتجنب الصدامات، خاصةً مع زيادة استقلالية الأبناء ورغبتهم في التعبير عن أنفسهم. من ناحية أخرى، أشار إلى أهمية دور المدرسة والمجتمع في دعم المراهقين وتوفير بيئة آمنة ومحفزة لنموهم.
التعامل مع المراهقة: استراتيجيات لبناء جيل واثق
تعد مرحلة المراهقة فترة انتقالية حساسة في حياة الفرد، تتسم بالتغيرات الجسدية والنفسية والاجتماعية. يتعرض المراهقون خلال هذه الفترة لضغوط متعددة، بما في ذلك ضغوط الأقران، والتوقعات الأسرية، والتحديات الأكاديمية. وهذا ما يجعل التعامل مع المراهقة بذكى وحكمة أمرًا ضروريًا لضمان صحة وسعادة الأبناء.
أسس العلاقة الناجحة مع المراهق
يرى الخبراء أن من أهم أسس بناء علاقة ناجحة مع المراهق هي الاستماع الفعال. يجب على الآباء تخصيص وقت للاستماع إلى أبنائهم دون مقاطعة أو إصدار أحكام مسبقة. هذا يساعد المراهق على الشعور بالتقدير والاحترام، ويشجعه على مشاركة أفكاره ومشاعره.
بالإضافة إلى ذلك، من المهم تعزيز شعور الاستقلالية لدى المراهق. يمكن تحقيق ذلك من خلال إعطائه بعض الحرية في اتخاذ القرارات المتعلقة بحياته، وتشجيعه على تحمل المسؤولية عن أفعاله. ولكن، يجب أن تكون هذه الحرية مقترنة بتوجيه وإشراف الأهل.
تجنب أساليب الرقابة الصارمة
حذر الدكتور الشمراني من أساليب الرقابة الصارمة التي يمكن أن تؤدي إلى عكس النتائج المرجوة. فبدلًا من أن تساهم هذه الأساليب في حماية المراهق، فإنها قد تدفعه إلى التمرد والانعزال والكذب. بدلًا من ذلك، ينبغي على الآباء التركيز على بناء الثقة والحوار المفتوح مع أبنائهم.
كما أكد على أهمية تحديد القواعد والحدود بوضوح، ولكن مع السماح ببعض المرونة. يجب أن يكون المراهق على علم بالتوقعات التي يتوقعها منه الأهل، وما هي العواقب المترتبة على عدم الالتزام بها. ومع ذلك، ينبغي على الأهل أن يكونوا مستعدين لمناقشة هذه القواعد والحدود، وتعديلها إذا لزم الأمر.
أهمية المشاورة والمشاركة في اتخاذ القرارات
إن إشراك المراهق في اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياته يعزز شعوره بالمسؤولية والانتماء. بدلًا من فرض القرارات عليه، يمكن للآباء أن يناقشوا معه الخيارات المتاحة، ويستمعوا إلى رأيه، ويساعدوه على اتخاذ قرار مستنير. هذا لا يقتصر فقط على القرارات الكبيرة، مثل اختيار التخصص الجامعي، بل يشمل أيضًا القرارات الصغيرة، مثل اختيار الملابس أو الأنشطة الترفيهية.
من الجوانب المهمة أيضًا، إدراك أن تحديات المراهقة ليست حكرًا على جيل معين، فهي جزء طبيعي من النمو البشري. وقد ساهمت التغيرات الاجتماعية والثقافية، وظهور وسائل الإعلام الحديثة، في تعقيد هذه التحديات، مما يستدعي من الآباء والأمهات المزيد من الوعي والفهم.
يعتبر تعزيز الهوية الذاتية لدى المراهق أمرًا بالغ الأهمية. خلال هذه المرحلة، يبدأ المراهق في البحث عن ذاته، وتحديد قيمه ومعتقداته. يجب على الأهل أن يدعموا هذا البحث، ويشجعوا المراهق على استكشاف اهتماماته ومواهبه. كما يجب عليهم أن يحترموا خياراته، حتى وإن كانت مختلفة عن خياراتهم.
إن التربية الإيجابية، التي تركز على تعزيز السلوك الجيد بدلاً من معاقبة السلوك السيئ، تعتبر أكثر فعالية في التعامل مع المراهق. يجب على الأهل أن يكافئوا أبناءهم على جهودهم وإنجازاتهم، وأن يقدموا لهم الدعم والتشجيع في أوقات الفشل والضعف. هذا يساعد المراهق على بناء تقديره لذاته، وتطوير ثقته بنفسه.
بالنظر إلى المستقبل، من المتوقع أن يشهد الأهل المزيد من التحديات في التعامل مع المراهقين، بسبب التغيرات السريعة التي يشهدها العالم. ستزداد أهمية بناء علاقات قوية ومستدامة مع الأبناء، وتوفير لهم الدعم العاطفي والاجتماعي اللازم. كما ستزداد أهمية تطوير مهارات التعامل مع التكنولوجيا ووسائل الإعلام الحديثة، لضمان حماية المراهقين من المخاطر المحتملة.
في الوقت الحالي، تعمل العديد من المؤسسات والمنظمات في المنطقة العربية على تقديم الدعم والإرشاد للأهل والمراهقين. يهدف هذه الجهود إلى زيادة الوعي بالتحديات التي تواجه المراهقين، وتوفير الأدوات والاستراتيجيات اللازمة للتعامل معها بفعالية. وسيستمر هذا العمل في المستقبل، مع التركيز على تطوير برامج تدخل مبكرة للوقاية من المشكلات السلوكية والعاطفية لدى المراهقين.
ما زالت الأبحاث مستمرة لفهم أعمق للتغيرات التي تحدث في مرحلة المراهقة وأفضل الطرق لدعم الأبناء خلالها. من المتوقع أن تساهم هذه الأبحاث في تطوير استراتيجيات تربوية أكثر فعالية، تلبي احتياجات المراهقين في العصر الحديث، وتمكنهم من النمو والتطور بشكل صحي وسليم.













