شهدت شركة “آبل” في الأشهر الأخيرة سلسلة من الاستقالات البارزة في صفوف إدارتها العليا، مما أثار تساؤلات حول مستقبل الشركة وقدرتها على المنافسة في سوق التكنولوجيا المتسارع، خاصةً في مجال الذكاء الاصطناعي. هذه التغييرات تأتي في وقت تواجه فيه “آبل” ضغوطًا لتسريع وتيرة الابتكار وتقديم ميزات جديدة تتجاوز ما يقدمه منافسوها.
بدأت هذه الموجة باستقالة مدير التصميم وانتقاله إلى “ميتا”، وتوالت الاستقالات لتشمل مسؤولين كبارًا في مجالات الرقائق والتكنولوجيا، وصولًا إلى توقعات بتنحي تيم كوك عن منصبه خلال الفترة القريبة القادمة. وتزامن ذلك مع تأخر “آبل” في طرح ميزات الذكاء الاصطناعي المتطورة، وهو ما أثار قلق المستثمرين والمحللين.
من يغادر “آبل” وما هي التداعيات؟
كشفت التقارير عن مغادرة وشيكة لعدد من القيادات البارزة في “آبل”، بما في ذلك ليزا جاكسون، نائبة الرئيس لشؤون البيئة والسياسات الاجتماعية، و كيت آدامز، المستشارة العامة للشركة. كما أعلن آلان داي، نائب الرئيس لقسم تصميم واجهة المستخدم، عن انتقاله إلى “ميتا” ليشغل منصبًا قياديًا في قسم التصميم.
بالإضافة إلى ذلك، يتوقع مغادرة جون جياناندريا، الرئيس الأول لآليات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، وجوني سروجي، نائب الرئيس الأول لتقنيات الأجهزة. هذه الاستقالات المتتالية تثير تساؤلات حول الاستقرار الداخلي للشركة وقدرتها على الحفاظ على المواهب الرئيسية.
في المقابل، استقطبت “آبل” جينيفر نيوستيد، المديرة القانونية السابقة في “ميتا”، لتتولى قيادة الشؤون الحكومية وتصبح المستشارة العامة الجديدة. كما نجحت الشركة في إقناع أمار سوبرامانيا، نائب رئيس “مايكروسوفت” للذكاء الاصطناعي، بالانضمام إليها في منصب نائب الرئيس الجديد للذكاء الاصطناعي.
تأثير التغييرات الإدارية على استراتيجية “آبل” في مجال الذكاء الاصطناعي
يأتي هذا التغيير الإداري في وقت حرج بالنسبة لـ “آبل”، حيث تتسارع وتيرة التطور في مجال الذكاء الاصطناعي. أجلت الشركة مؤخرًا إطلاق تحديث “سيري” المعزز بالذكاء الاصطناعي، والذي كان من المفترض أن يمثل نقلة نوعية في مساعدها الشخصي، وذلك بسبب الحاجة إلى مزيد من التطوير والتحسين.
ويرى المحللون أن هذه التأجيلات والاستقالات قد تعكس صعوبات تواجهها “آبل” في تنفيذ رؤيتها للذكاء الاصطناعي، خاصةً في ظل المنافسة الشديدة من شركات مثل “غوغل” و”مايكروسوفت” و”أوبن إيه آي”. وتشير التقارير إلى أن “آبل” تسعى إلى تطوير نماذج لغوية كبيرة خاصة بها، ولكنها تواجه تحديات في جمع البيانات وتدريب النماذج.
بالإضافة إلى ذلك، يثير مستقبل نظارات “آبل” للواقع الافتراضي والمعزز تساؤلات، حيث لم تحقق هذه النظارات النجاح المتوقع حتى الآن. وتواجه “آبل” تحديًا في إقناع المستهلكين بقيمة هذه النظارات، خاصةً في ظل وجود بدائل أرخص وأكثر تطورًا من الشركات المنافسة.
رد فعل المستثمرين وتوقعات الأداء المالي
أظهرت أسهم “آبل” أداءً متفاوتًا هذا العام، حيث ارتفعت بنسبة 12% مقارنة بـ 30% في العام الماضي، وفقًا لتقرير “سي إن إن”. يعزو المحللون هذا التباطؤ في النمو إلى القلق بشأن قدرة “آبل” على الحفاظ على مكانتها الرائدة في السوق في ظل التغيرات التكنولوجية المتسارعة.
ويرى دان آيفز، الرئيس العالمي لأبحاث التكنولوجيا في شركة “ويدبوش” للأوراق المالية، أن هذه التغييرات تتعارض مع ثقافة “آبل” التقليدية، وأنها قد تؤثر سلبًا على قدرة الشركة على الابتكار. ويضيف أن استراتيجية الذكاء الاصطناعي ستكون حاسمة في تحديد إرث تيم كوك.
مستقبل “آبل” في ظل التحديات المتزايدة
على الرغم من هذه التحديات، لا تزال “آبل” قوة مهيمنة في صناعة التكنولوجيا، بفضل علامتها التجارية القوية وقاعدة عملائها المخلصين. ومع ذلك، يتعين على الشركة أن تتكيف بسرعة مع التغيرات في السوق وأن تستثمر بشكل كبير في البحث والتطوير، خاصةً في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة.
من المتوقع أن تكشف “آبل” عن المزيد من التفاصيل حول خططها للذكاء الاصطناعي خلال مؤتمر المطورين السنوي في يونيو/حزيران القادم. ويترقب المستثمرون والمحللون هذه الإعلانات لمعرفة ما إذا كانت “آبل” قادرة على استعادة زمام المبادرة في هذا المجال الحيوي. كما أن أداء مبيعات “آيفون 17” سيكون مؤشرًا رئيسيًا على قدرة الشركة على الحفاظ على مكانتها في سوق الهواتف الذكية.
يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت “آبل” ستتمكن من التغلب على هذه التحديات والحفاظ على مكانتها كواحدة من أكثر الشركات ابتكارًا وتأثيرًا في العالم. وسيكون من المهم مراقبة التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، ورد فعل “آبل” على هذه التطورات، في الأشهر والسنوات القادمة.













