في حدث فلكي مذهل، رصد علماء الفلك في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك) انفجارًا ضوئيًا هائلاً ناتجًا عن ثقب أسود فائق الكتلة قام بابتلاع نجم ضخم. هذا الحدث، الذي يُعرف بـ “حدث التمزق المدي” (Tidal Disruption Event – TDE)، يوفر رؤى قيمة حول سلوك الثقوب السوداء وكيفية تأثيرها على البيئة المحيطة بها. ويعتبر هذا الاكتشاف من بين أقوى الانفجارات التي تم رصدها في تاريخ علم الفلك الحديث.
ووفقًا للدراسة التي نشرها الباحثون في دورية “نيتشر أسترونومي”، كان هذا التوهج أشد سطوعًا من 10 تريليونات شمس. يقع هذا الثقب الأسود على بعد 10 مليارات سنة ضوئية من الأرض، مما يعني أن الضوء الذي نراه اليوم انطلق منذ فترة طويلة في الماضي، في بدايات الكون.
التهام النجوم
عندما اقترب النجم الضخم بدرجة كافية من الثقب الأسود، تمزق بسبب قوى الجاذبية الهائلة، في عملية تُعرف باسم “حدث التمزق المدي”. لم تختف المادة النجمية فورًا داخل الثقب الأسود، بل دارت حوله في دوامة نارية هائلة، مولدة كميات هائلة من الضوء والإشعاع.
هذا الحدث لم يكن مجرد عملية ابتلاع نجم، بل حدث داخل نواة مجرية نشطة، وهي منطقة مركزية في المجرة تتميز بنشاط عالٍ ووجود كميات كبيرة من الغازات والغبار. هذه البيئة المعقدة جعلت رصد الحدث أكثر صعوبة، ولكنها أيضًا وفرت معلومات إضافية حول كيفية تفاعل الثقوب السوداء مع محيطها.
مراقبة متعددة الأطياف
تم رصد هذا الحدث في البداية بواسطة “مرصد زويكي لدراسة العبور” في كاليفورنيا، وهو نظام آلي متخصص في البحث عن التغيرات المفاجئة في سطوع الأجرام السماوية. بعد ذلك، أكدت تلسكوبات أخرى حول العالم هذا الرصد، بما في ذلك المراصد التي تعمل في نطاقات الأشعة السينية والميكروية.
هذه المراقبة المتعددة الأطياف سمحت للعلماء بتحليل الحدث بتفصيل كبير. فقد تمكنوا من دراسة كيفية تسخين الغاز أثناء تمزقه، وكيف تتسارع المادة إلى سرعات قريبة من سرعة الضوء قبل أن تختفي داخل الثقب الأسود. كما ساعدت هذه البيانات في فهم العمليات الفيزيائية المعقدة التي تحدث في النواة المجرية النشطة.
تُظهر البيانات أن هذا الثقب الأسود يبلغ وزنه حوالي 500 مليون ضعف كتلة الشمس. هذا يجعله من بين أكبر الثقوب السوداء المعروفة، ويؤكد على الدور الهام الذي تلعبه هذه الأجرام في تطور المجرات.
أهمية الاكتشاف
يعتبر هذا الاكتشاف مهمًا للغاية لأنه يوفر فرصة فريدة لدراسة سلوك الثقوب السوداء العملاقة في بدايات الكون. فالضوء الذي نراه اليوم انطلق منذ 10 مليارات سنة، مما يعني أننا نشاهد فعليًا كيف كانت هذه الأجرام تتغذى على المادة في الماضي السحيق. بالإضافة إلى ذلك، يساعد هذا الاكتشاف في فهم العلاقة بين الثقوب السوداء ونمو المجرات.
العلماء الآن يخططون لمواصلة مراقبة هذا الحدث باستخدام تلسكوبات أكثر تطوراً، بهدف الحصول على المزيد من التفاصيل حول العمليات الفيزيائية التي تحدث. من المتوقع أن توفر هذه المراقبة رؤى جديدة حول كيفية نمو الثقوب السوداء وكيفية تأثيرها على البيئة المحيطة بها. ومع ذلك، لا تزال هناك العديد من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها، مثل سبب اختلاف سطوع بعض أحداث التمزق المدي عن غيرها، وما إذا كانت هذه الظواهر مسؤولة عن بعض الانفجارات الغامضة التي نراها في السماء.













