أعلن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت عن اكتشافات أثرية مهمة في موقع “دير القصور” بجزيرة فيلكا، بما في ذلك قطع فخارية منقوشة بالخط السرياني وآثار تعود إلى الفترتين الأموية والعباسية. هذه الاكتشافات الجديدة تلقي الضوء على تاريخ الجزيرة الغني وتساهم في فهم أعمق للحياة الدينية والثقافية في المنطقة خلال القرون الأولى للإسلام. وتعتبر هذه الآثار ذات أهمية كبيرة للباحثين والمؤرخين.
تم الإعلان عن هذه الاكتشافات يوم أمس، حيث أوضح مسؤولون أن فريقًا أثريًا فرنسيًا كويتيًا مشتركًا هو من قام بالتنقيب في الموقع منذ عام 2011. وتشير النتائج الأولية إلى وجود مستوطنة رهبانية تعود إلى العصر الأموي وبدايات العصر العباسي، مما يؤكد أهمية جزيرة فيلكا كمركز ثقافي وديني في الماضي.
اكتشافات “دير القصور” تكشف عن تاريخ مسيحي وإسلامي مبكر
تتركز الاكتشافات في منطقة “القصور” بقلب جزيرة فيلكا، وهي منطقة كانت مأهولة في السابق بجماعة مسيحية تتبع التقاليد السريانية الشرقية، وفقًا لتصريحات محمد بن رضا، الأمين العام المساعد لقطاع الآثار والمتاحف. وتشمل الاكتشافات أساسات لمبانٍ مميزة تعود للفترة المسيحية وبداية الإسلام، بالإضافة إلى نقوش سريانية وفارسية على الفخار.
تفاصيل الاكتشافات الأثرية
عثر الفريق الأثري على دلائل مبكرة على وجود البازلت الصناعي، وهو ما يثير الاهتمام حول التقنيات المستخدمة في تلك الفترة. بالإضافة إلى ذلك، تم اكتشاف فخاريات منقوشة بالخط السرياني، وزجاجة عطر، وعملات معدنية، مما يدل على النشاط الاقتصادي والاجتماعي الذي كان قائمًا في الجزيرة قبل حوالي 1200 عام. وتشير هذه الاكتشافات إلى أن الموقع كان مركزًا تجاريًا مهمًا.
أكد الدكتور حسن أشكناني، أستاذ الآثار والانثروبولوجيا بجامعة الكويت، أن هذه الاكتشافات تمثل اكتشافًا أثريًا بارزًا للفترة بين القرنين السابع والثامن الميلاديين، خاصة في موقعي القصور والقرينية. وتقدم هذه الاكتشافات تفاصيل قيمة عن الحياة اليومية للسكان في تلك الفترة.
الدير المسيحي والتعايش الديني
وفقًا للدكتورة جولي بونيرك، المشرفة على البعثة الفرنسية-الكويتية المشتركة، يضم الموقع ديرًا يتألف من كنيسة ضخمة مزينة بالجص، وقاعة طعام كبيرة، ومجمع لتجهيز الطعام. وتقدم هذه الاكتشافات رؤية نادرة حول الحياة الرهبانية والوجود المسيحي في الكويت، بالإضافة إلى إبراز التعايش بين المجتمعات الإسلامية والمسيحية خلال الفترة المبكرة للإسلام.
وأضافت الدكتورة بونيرك أن كل موسم تنقيب يسفر عن اكتشافات جديدة تبرز ثراء وتنوع التراث الكويتي. ويستمر موسم التنقيب الحالي، وهو الموسم الثاني عشر، في تحليل المرحلة الأولى من الدير ودراسة الحياة اليومية للرهبان، بما في ذلك نظامهم الغذائي وقواعدهم وأنشطتهم الحرفية.
أشار أعضاء الفريق الأثري الكويتي، سيف البطي بوطيبان وأحمد الذوادي وأنور التميمي، إلى أن اكتشاف مبنى لتصنيع الأطعمة مقابل الكنيسة يعتبر من أبرز اكتشافات هذا الموسم. وعثروا على مطحنة دقيق مصنوعة من الطوب اللبن، ومعدات طحن مصنوعة من حجر محلي والبازلت الصناعي.
عملية تصنيع البازلت الصناعي، والمعروفة باسم “التقنية النارية”، تتضمن حرق الطين والرمل في درجات حرارة عالية في أفران كبيرة لصهر المواد وإعادة بلورتها لمحاكاة البازلت البركاني. وهذه التقنية تشير إلى مستوى عالٍ من المهارة الهندسية والصناعية لدى السكان القدماء.
مستقبل الأبحاث في جزيرة فيلكا
من المتوقع أن يستمر فريق البعثة الأثرية في التنقيب والبحث في موقع “دير القصور” خلال الأشهر القادمة. وتركز الجهود الحالية على تحليل العينات المكتشفة وتوثيقها، بالإضافة إلى دراسة التطور المكاني للدير.
تعتبر هذه الآثار الجديدة إضافة قيمة للمعرفة بتاريخ الكويت، ومن المتوقع أن تساهم في جذب المزيد من السياح والباحثين إلى الجزيرة. ومع ذلك، لا تزال هناك العديد من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات، مثل طبيعة العلاقة بين الجماعة المسيحية والسكان المسلمين في المنطقة. وستستمر الأبحاث في محاولة الإجابة على هذه الأسئلة وتقديم صورة أكثر اكتمالاً عن تاريخ جزيرة فيلكا.
سيقوم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بتقييم النتائج النهائية للبعثة الأثرية في نهاية الموسم الحالي، ومن ثم تحديد الخطوات التالية للحفاظ على الموقع وتطويره. ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن خطط مستقبلية للموقع في غضون الأشهر القليلة القادمة.













