برزت خلال فعاليات “منتدى الاقتصاد الجديد” الذي نظمته بلومبيرغ في سنغافورة تحذيرات متزايدة من احتمال حدوث تصحيح حاد في أسواق الأسهم العالمية، بالتزامن مع توقعات باستمرار قوة الدولار في مواجهة التحديات الاقتصادية. وتناولت النقاشات الرئيسية في المنتدى تقييمات الأسهم المرتفعة، ومستقبل التجارة الآسيوية، والدور المحوري للدولار في النظام المالي العالمي.
وكشف المنتدى، الذي اختتم أعماله مؤخرًا، عن مخاوف متصاعدة بين كبار المسؤولين التنفيذيين والمصرفيين بشأن المخاطر التي تواجه الاقتصاد العالمي. وتأتي هذه التحذيرات في ظل حالة من عدم اليقين بشأن مسار أسعار الفائدة، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، وتباطؤ النمو الاقتصادي في بعض المناطق الرئيسية.
تحذيرات من تراجع الأسهم
أطلق جون وولدرون، رئيس “غولدمان ساكس”، تحذيراً صريحاً للمستثمرين، داعياً إياهم إلى الاستعداد لمزيد من الانخفاض في أسعار الأسهم. وأشار إلى أن العوامل الفنية تشير إلى اتجاه نحو الحماية وتقليل المخاطر، مما قد يؤدي إلى مزيد من الضغوط على الأسواق.
وتزامن هذا التحذير مع انخفاض مؤشر ناسداك بنسبة 3.1% خلال الأسبوع الحالي، مما يعكس قلق المستثمرين بشأن التقييمات المبالغ فيها، خاصة في قطاع أسهم الذكاء الاصطناعي. كما أكدت أدينا فريدمان، الرئيسة التنفيذية لبورصة ناسداك، على جهود البورصة لتعزيز السيولة وجذب شركات التكنولوجيا من خلال آلية إدراج مزدوجة مع بورصة سنغافورة.
القلق يتصاعد في أروقة المنتدى
وصف مراقبون أجواء المنتدى بأنها مشحونة بالقلق، حيث ساد شعور عام بأن الأسواق المالية قد تكون عرضة لتصحيح كبير. وتناولت النقاشات بين المشاركين المخاطر المرتبطة بالانتفاخ في أسعار الأصول، وإمكانية حدوث أزمة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
على الرغم من هذه النظرة المتشائمة، قدم جورج الزهيري، الرئيس التنفيذي لـ”إتش إس بي سي”، رؤية أكثر تفاؤلاً، مشيراً إلى أن اتجاه “آسيا تشتري من آسيا” يمثل فرصة لتعزيز الاستثمار والنمو في المنطقة.
الدولار.. هيمنة مستمرة على الرغم من الجدل
على الرغم من الدعوات المتزايدة لتنويع الاحتياطيات النقدية العالمية، يبدو أن الدولار الأمريكي سيحافظ على مكانته المهيمنة في المدى القصير. وأكد جون ستودزنسكي من “بيمكو” أنه لا يوجد حاليًا بديل حقيقي للدولار كعملة احتياطية رئيسية.
في المقابل، أشارت جيني جونسون، الرئيسة التنفيذية لـ”فرانكلين تمبلتون”، إلى أن النقاش لا يدور حول نهاية هيمنة الدولار، بل حول حجم التراجع المحتمل في حصته السوقية. أما ليم تشاو كيات، الرئيس التنفيذي لـ”جي آي سي”، فقد اعتبر أن انهيار النظام الأمريكي هو الشرط الوحيد الذي قد يؤدي إلى تراجع كبير في مكانة الدولار. وقد ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة تزيد عن 3% منذ أدنى مستوياته في سبتمبر، مما يعكس ثقة المستثمرين في قوة العملة الأمريكية.
سنغافورة في قلب المشهد المالي العالمي
استضافت سنغافورة هذا الحدث الهام، مما سلط الضوء على دورها المتزايد كمركز مالي عالمي. وأكد رئيس وزراء سنغافورة، لورانس وونغ، أن بلاده تتبنى إجراءات صارمة لمكافحة الجريمة المنظمة وغسل الأموال، بهدف الحفاظ على سمعتها كوجهة مالية موثوقة.
وتأتي هذه التصريحات في أعقاب كشف قضايا غسل أموال بقيمة 2.3 مليار دولار في عام 2024، مما أثار تدقيقًا واسعًا في القطاع المالي السنغافوري. ومع ذلك، تشير البيانات إلى أن الأصول المدارة في سنغافورة ارتفعت بنسبة 12% العام الماضي، لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 6.07 تريليونات دولار سنغافوري.
من المتوقع أن تستمر هذه التطورات في التأثير على الاستثمارات العالمية والأسواق الناشئة في الأشهر المقبلة. ويرى المحللون أن مراقبة تطورات أسعار الفائدة، والتوترات الجيوسياسية، وأداء الاقتصاد الصيني ستكون حاسمة لتقييم المخاطر والفرص في الأسواق المالية العالمية. وستكون البيانات الاقتصادية المقبلة، وخاصةً تلك المتعلقة بالتضخم والنمو، هي المؤشر الرئيسي الذي سيحدد مسار الأسواق في الفترة القادمة.












