قال البنك الدولي، اليوم الأربعاء، إن عبء الديون على الدول النامية بلغ مستويات قياسية، حيث وصلت الفجوة بين تكاليف خدمة الديون والتمويل الجديد إلى 741 مليار دولار بين عامي 2022 و 2024. ويشير هذا الارتفاع الكبير في الديون السيادية إلى تحديات متزايدة تواجه هذه الدول في إدارة مواردها المالية وتحقيق التنمية المستدامة. ويطالب البنك الدولي الدول النامية باستكشاف خيارات تمويل عالمية أكثر مرونة لمواجهة هذه الأزمة.
وأظهر تقرير البنك الدولي السنوي للديون الدولية أن مدفوعات الفائدة الإجمالية ارتفعت إلى مستوى قياسي جديد بلغ 415.4 مليار دولار في عام 2024، على الرغم من بعض الانخفاض في أسعار الفائدة العالمية. ويعزى هذا الارتفاع إلى زيادة حجم الديون المتراكمة وارتفاع تكلفة الاقتراض بالنسبة للعديد من الدول النامية. ويؤكد التقرير على أن هذه الزيادة في الديون تمثل خطرًا كبيرًا على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في هذه الدول.
تفاقم أزمة الديون السيادية
وحذر إنديرميت جيل، كبير الاقتصاديين في البنك الدولي، من أن التحسن المحتمل في الظروف المالية العالمية لا يجب أن يغري الدول النامية، مؤكدًا أن هذه الدول لا تزال تواجه مخاطر كبيرة. وأضاف أن تراكم الديون مستمر، وأحيانًا بطرق معقدة وغير متوقعة. وتشمل هذه الطرق زيادة الاعتماد على مصادر التمويل الخاصة الأكثر تكلفة.
وعادت معظم الدول النامية إلى أسواق السندات مع انتهاء دورة رفع أسعار الفائدة العالمية، مما فتح الباب أمام إصدارات جديدة من السندات بمليارات الدولارات. ومع ذلك، جاء هذا مع ثمن باهظ، حيث ارتفعت أسعار الفائدة على ديون السندات لتصل إلى حوالي 10%، وهو ما يقرب من ضعف أسعار الفائدة قبل عام 2020. وقد أدى ذلك إلى تقليل خيارات التمويل المتاحة بتكلفة منخفضة.
التحول نحو الديون المحلية
يتجه عدد متزايد من الدول الناشئة نحو أسواق الدين المحلية للحصول على التمويل، حيث نما الدين المحلي بوتيرة أسرع من الدين الخارجي في 50 دولة خلال العام الماضي. يعكس هذا التوجه تطور أسواق الائتمان المحلية وزيادة قدرة هذه الدول على تمويل نفسها من خلال مصادر داخلية. ومع ذلك، يحذر البنك الدولي من أن هذا قد يؤدي إلى ضغوط على الإقراض المصرفي المحلي للقطاع الخاص، وربما يرفع تكلفة إعادة التمويل بسبب آجال الاستحقاق الأقصر.
وفي سياق منفصل، أظهرت البيانات أن عمليات إعادة هيكلة الديون ارتفعت بشكل ملحوظ في عام 2024، حيث أعادت الدول الناشئة هيكلة ما يقرب من 90 مليار دولار من الديون الخارجية، وهو أعلى مستوى في 14 عامًا. وشملت هذه العمليات دولًا مثل غانا وزامبيا وسريلانكا وأوكرانيا وإثيوبيا، بالإضافة إلى حالات إلغاء الديون في هايتي والصومال. ويشير هذا إلى أن العديد من الدول النامية تواجه صعوبات متزايدة في سداد ديونها الخارجية.
في المقابل، انخفض صافي تدفقات الإقراض الثنائي بنسبة 76% إلى 4.5 مليار دولار، وهو مستوى لم يشهد منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008. وقد أجبر هذا الانخفاض الدول النامية على البحث عن مصادر تمويل خاصة أكثر تكلفة، مما زاد من عبء الديون عليها. كما أن الإقراض متعدد الأطراف، على الرغم من ارتفاعه، لم يكن كافيًا لتعويض الانخفاض في الإقراض الثنائي.
وبحسب البنك الدولي، فإن 54% من الدول منخفضة الدخل تعاني حاليًا من ضائقة ديون أو تواجه مخاطر ديون عالية. ويؤكد هذا على الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات لمعالجة أزمة الديون المتفاقمة في هذه الدول، بما في ذلك توفير المزيد من الدعم المالي وتسهيل عمليات إعادة الهيكلة. وتشمل التحديات الإضافية المتعلقة بالديون، تقلبات أسعار الصرف وتأثيرها على تكلفة خدمة الديون المقومة بالدولار الأمريكي، بالإضافة إلى التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها بعض الدول النامية.
من المتوقع أن يستمر البنك الدولي في مراقبة وضع الديون في الدول النامية عن كثب، وتقديم الدعم والمشورة اللازمة لمساعدتها على إدارة ديونها بشكل مستدام. كما من المتوقع أن يناقش المجتمع الدولي سبل تعزيز التعاون الدولي في مجال إدارة الديون، وتوفير المزيد من الموارد للدول النامية التي تواجه صعوبات في سداد ديونها. وستظل عمليات إعادة هيكلة الديون، وتوفير التمويل الميسر، وتحسين إدارة الديون من بين القضايا الرئيسية التي ستشغل بال صناع السياسات والخبراء الاقتصاديين في الفترة المقبلة.
وتشير التوقعات إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة العالمية والتباطؤ الاقتصادي العالمي قد يزيدان من صعوبة إدارة الديون في الدول النامية في المستقبل القريب. لذلك، من الضروري أن تتخذ هذه الدول إجراءات استباقية لتعزيز قدرتها على الصمود في وجه الصدمات الخارجية، وتنويع مصادر تمويلها، وتحسين إدارة مواردها المالية. كما يجب على المجتمع الدولي أن يلعب دورًا فعالًا في دعم جهود هذه الدول، وتوفير المساعدة اللازمة لمساعدتها على تحقيق التنمية المستدامة.













