أصبح الذكاء الاصطناعي أحد أكثر التقنيات قدرة على التغيير في مختلف المجالات، إذ أعاد تشكيل صناعات الرعاية الصحية والتمويل.
وفي صناعة الرياضة، ظهر الذكاء الاصطناعي كأداة قوية، وذلك بتوفيره إمكانية تحسين الأداء، وتحسين إستراتيجيات الوقاية من الإصابات، إلى جانب تحسين عملية اتخاذ القرار بطرق لم تكن متوفرة في السابق.
وأصبح الاعتماد على التحليل الرقمي والأجهزة الذكية جزءا أساسيا من تدريبات الرياضيين وخطط المدربين.
وأدى استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في الرياضة إلى تغيير في كيفية تعامل الرياضيين والمدربين والمنظمات الرياضية مع التدريب، وإستراتيجية اللعبة، وإدارة الرياضيين.
وشهد سوق الذكاء الاصطناعي الرياضي العالمي نموا كبيرا، فمن المتوقع أن يرتفع من 2.1 مليار دولار عام 2020 إلى ما يقدر بنحو 16.7 مليار دولار بحلول عام 2030.
عندما تلتقي التقنية بالرياضة
لم تعد الرياضة مجرد تنافس بين اللاعبين على أرض الملعب، بل أصبحت ميدانا جديدا يزدهر فيه التعاون بين المهارة البشرية والتكنولوجيا الحديثة.
وتعيد تقنيات الذكاء الاصطناعي والأجهزة القابلة للارتداء تشكيل طريقة التدريب، والأداء، وحتى حماية اللاعبين من الإصابات.
وتجاوزت تقنيات الرؤية الحاسوبية المتقدمة والتحليلات التنبؤية الأساليب التقليدية لتتبع حركات وسلوكيات الرياضيين.
ومن خلال تحليل كميات كبيرة من البيانات المتولدة في أثناء التدريب والمنافسة، تحدد أنظمة الذكاء الاصطناعي الأنماط وتوفير رؤى قد يصعب على البشر اكتشافها.
وتستخدم الآن تقنية تحليل الفيديو المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتقييم وضع اللاعبين والأنماط التكتيكية وعمليات اتخاذ القرار في الوقت الفعلي.
ويستطيع الذكاء الاصطناعي، من خلال نماذج التعلم الآلي، تحليل البيانات الحيوية، وتحديد الأنماط الدقيقة التي قد تشير إلى قابلية للإصابة.
كما جرى استخدام الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات التكتيكية وصياغة إستراتيجيات اللعبة، إذ تُحدث سرعة اتخاذ القرار ودقته فارقا كبيرا بين الفوز والخسارة.
وتعالج أنظمة الذكاء الاصطناعي كميات كبيرة من البيانات التاريخية في الوقت الفعلي من أجل تزويد المدربين برؤى إستراتيجية في أثناء المباريات.
وتُستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل اتجاهات الخصوم، مما يسمح للفرق بتعديل إستراتيجياتها ديناميكيا والاستجابة للتطورات داخل اللعبة.
ويساعد الذكاء الاصطناعي في تحديد المواهب واختيارها، إذ يستطيع تحديدها بطريقة موضوعية من خلال تحليل مقاييس الأداء الرئيسية والنمذجة الإحصائية التي تتنبأ بإمكانات الرياضي المستقبلية.

تحليل أداء الرياضيين
تستطيع أنظمة الذكاء الاصطناعي تحليل الأداء وتحديد نقاط القوة والضعف بالاعتماد على البيانات التي توفرها الأجهزة القابلة للارتداء فيما يتعلق بحركة اللاعبين، ومعدل ضربات القلب، والجهد المبذول.
وتحلل الخوارزميات البيانات بطرق تتجاوز الطرق التقليدية فيما يتعلق بتتبع وقياس الأداء الرياضي بدقة.
ويعد الذكاء الاصطناعي مفيدا في تحسين وضع اللاعب وتتبع الحركة، حيث تستخدم الأنظمة لتحسين التقييمات من خلال توفير تحليلات حركة مفصلة، مقارنة بما كان ممكنا من خلال الملاحظة اليدوية.
وتكتشف تقنية التقاط الحركة الاختلافات الدقيقة في حيوية الرياضيين، مما له آثار في تحسين الأداء الفردي والوقاية من الإصابات.
ويستطيع المدربون إنشاء ملف أداء شامل يساعد في اتخاذ القرار من خلال المزج بين تحليل الفيديو والبيانات الفسيولوجية ونماذج التعلم العميق.
وتوفر أجهزة الاستشعار القابلة للارتداء -جنبا إلى جنب الذكاء الاصطناعي- ملاحظات فورية، مما يمكّن المدربين من تعديل أنظمة التدريب في أثناء الجلسات.
ويُستخدم نظام الرؤية الحاسوبية “هوك آي” (Hawk-Eye) لتتبع مسار الكرة بصريا وعرض حساب لمسارها الأكثر احتمالية إحصائيا كصورة متحركة.
ويُستخدم هذا النظام في أكثر من 20 رياضة رئيسية، بما في ذلك لعبة الكريكيت والتنس وكرة القدم والكرة الطائرة.
في حين يستخدم تطبيق كرة السلة التفاعلي “هوم كورت” (HomeCourt) الذكاء الاصطناعي لتحليل أداء اللاعبين عبر تقديم رؤى حول دقة التسديد والسرعة والقفزات العمودية.
التنبؤ بالإصابات والوقاية منها
يحرز الذكاء الاصطناعي تقدما كبيرا في مجال التنبؤ بالإصابات الرياضية، إذ تتنبأ الأنظمة بالإصابات المحتملة من خلال تحليل البيانات الحيوية والفسيولوجية بما يتجاوز القدرات البشرية.
وتتبع التكنولوجيا القابلة للارتداء المدمجة مع الذكاء الاصطناعي أنماط حركة الرياضيين، وتحدد الشذوذ الذي يشير إلى إصابات محتملة.
وتولد الأنظمة تحذيرات مبكرة حول الإصابات الوشيكة المرتبطة بالتعب والإجهاد من خلال تحليل البيانات وأنماط النوم وأوقات التعافي.
كما تحدد نماذج التنبؤ، عند اقترانها بالبيانات الحيوية من أجهزة الاستشعار القابلة للارتداء، التغييرات الدقيقة في حركة الرياضيين، التي غالبا ما تسبق الإصابة.
وتستخدم بعض أندية كرة القدم الأوروبية هذه التقنيات لتقليل وقت الغياب عن الملاعب، ويشمل ذلك أداة “زون 7” (Zone7)، التي توفر توقعات يومية لاحتمالات الإصابة، مما يتيح للرياضيين تحقيق الأهداف مع تقليل احتمالات الإصابة.

إستراتيجية اللعبة والتدريب
يحلل الذكاء الاصطناعي كميات كبيرة من بيانات اللعبة في الوقت الفعلي، مما يجعله أداة مفيدة في إستراتيجية اللعبة والتدريب.
وساعد تطوير نماذج التعلم العميق القادرة على تحليل إستراتيجيات الخصم والتنبؤ بنتائج اللعبة وتقديم توصيات تكتيكية في إحداث ثورة في منهجيات التدريب في جميع الرياضات.
وتتنبأ تلك الأنظمة بحركات الخصوم بناء على البيانات التاريخية، مما يسمح للفرق بتعديل إستراتيجياتها بشكل ديناميكي.
كما تحدد التقنية الأنماط في طريقة اللعب التي يصعب على المحللين البشريين اكتشافها في الوقت الفعلي.
ومن الأمثلة على ذلك كرة القدم، حيث تستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي، مثل “ستات سبورتس” (STATSports) و”كاتابولت” (Catapult)، أجهزة قابلة للارتداء لمراقبة الناتج البدني للاعبين في أثناء المباريات ودمج هذه البيانات مع تحليل الفيديو لتوفير رؤى تكتيكية شاملة.
وتساعد هذه الأنظمة المدربين في إجراء التبديلات في الوقت الفعلي بناء على مستويات إرهاق اللاعبين والأداء، مما يضمن كفاءة الفريق المثلى طوال المباراة.
ويستخدم الذكاء الاصطناعي لتقييم تشكيلات الفريق بأكمله، وتحديد نقاط الضعف في التشكيلات الدفاعية للخصوم.
واستطاع الذكاء الاصطناعي تغيير تحليل الفيديو من خلال أتمتة تعرف الأنماط، وتقليل الوقت المطلوب لمعالجة كميات كبيرة من اللقطات، وتقديم رؤى قابلة للتنفيذ لطاقم التدريب في الوقت الفعلي.
تحديد المواهب واختيارها
غيّر الذكاء الاصطناعي أيضا بشكل كبير عملية تحديد المواهب، وخاصة في الرياضات التي تعتمد بشكل كبير على مقاييس الأداء الإحصائية.
وجرى تعزيز أساليب الكشف التقليدية بأنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على تحليل مجموعات البيانات الكبيرة لتحديد المواهب المحتملة بناء على التقييمات الذاتية وأداء اللاعبين.
وتستطيع خوارزميات التعلم الآلي تحديد اللاعبين الشباب الواعدين من خلال تحليل بيانات الأداء عبر مجموعة من المقاييس، بما في ذلك السرعة، والمرونة، ودقة التمرير، واتخاذ القرار.
وأصبحت منصات الذكاء الاصطناعي، مثل “هودل” (Hudl) و “برو فوتبول فوكس” (Pro Football Focus)، أدوات أساسية للمدربين والمحللين في تقييم احتمالات الاختيار.
وتوفر هذه الأنظمة رؤى حول نقاط القوة والضعف لدى اللاعبين من خلال تحليل لقطات الفيديو والبيانات الإحصائية، مما يساعد الفرق في اتخاذ قرارات اختيار أكثر دقة.
التحديات
يواجه دمج الذكاء الاصطناعي في الرياضة صعوبات، من أهمها الطبيعة الغامضة لعديد من النماذج، مما يحد من قابليتها للتفسير.
وتستطيع الخوارزميات تقديم تنبؤات وتوصيات، ولكن المنطق وراء هذه التوصيات غالبا ما يكون غامضا، مما يؤدي إلى صعوبات في اكتساب ثقة المدربين والمتخصصين الطبيين.
ويتردد المدربون في الاعتماد على توصيات التنبؤ بالإصابات من دون فهم واضح للعوامل الأساسية التي تؤثر في التنبؤات.
وتوجد أيضا مخاوف أخلاقية، وخاصة في مجال خصوصية البيانات وإمكانية استبدال الذكاء الاصطناعي باتخاذ القرار البشري.
ومع استمرار أنظمة الذكاء الاصطناعي في الرياضة في جمع كميات كبيرة من البيانات الشخصية، تزداد أهمية الأسئلة المحيطة بالموافقة وحماية البيانات.
كما يدور النقاش حول إذا ما كان يجب على الذكاء الاصطناعي أن يكمل أو يحل محل التقدير البشري في مجالات، مثل التدريب وإدارة اللاعبين.
ويوفر الذكاء الاصطناعي رؤى قيمة، ولكن خطر الاعتماد المفرط عليه قد يقوض العنصر البشري في الرياضة، الذي يتميز بالحدس والخبرة والإبداع.
في الختام، يوفر دمج الذكاء الاصطناعي في الرياضة إمكانات كبيرة في مختلف المجالات، من تحليل الأداء والوقاية من الإصابات إلى إستراتيجية اللعبة وتحديد المواهب.
وتعيد تقنيات الذكاء الاصطناعي تشكيل طريقة تدريب الرياضيين، ووضع الإستراتيجيات، وإدارة المنظمات للمواهب.
وبالنظر إلى المستقبل، فإن الذكاء الاصطناعي قادر على إحداث ثورة في الرياضة بطريقة تعزز فوائده التكنولوجية وقيم العدالة والشفافية والكرامة الإنسانية التي تكمن في قلب المنافسة الرياضية.