عندما يذكر “الثقب الأسود” يتبادر إلى الذهن تلك الأجرام السماوية ذات الجاذبية الهائلة التي لا يفلت منها الضوء، وقد شغل السؤال حول مدى امتثالها لقواعد ميكانيكا الكم العلماء لعقود. أظهرت دراسة حديثة، نشرت في دورية “فيزيكال ريفيو ليترز”، أن الثقوب السوداء قد تمتلك حالة أرضية مستقرة، مما يقربنا خطوة من فهم العلاقة بين الجاذبية وعالم الكم.
أجرى باحثون من معهد لينويبر للفيزياء النظرية وجامعة كاليفورنيا بيركلي هذه الدراسة، مستخدمين أدوات رياضية جديدة لاستكشاف سلوك الثقوب السوداء في درجات الحرارة المنخفضة. تعتمد هذه الدراسة على مفهوم الإنتروبيا، وهو مقياس للفوضى الداخلية للنظام، ومحاولة تحديد ما إذا كانت الثقوب السوداء تتبع القواعد الكمية التي تنص على أن لكل نظام كمي حالة طاقة دنيا.
رحلة عبر أنفاق الزمكان
لطالما واجه العلماء معضلة في حسابات الإنتروبيا الخاصة بالالثقوب السوداء، حيث كانت النتائج تشير إلى قيم سالبة، وهو أمر غير منطقي علميًا. هذا التناقض دفعهم إلى التساؤل عما إذا كانت هذه الأجرام الكونية لا تخضع لقوانين الكم، أو ما إذا كانت هناك أخطاء في طرق الحساب المستخدمة.
استخدم الباحثون في هذه الدراسة مفهوم “الثقوب الدودية”، وهي ممرات افتراضية تربط مناطق مختلفة من الزمكان، كعامل إضافي في حساباتهم. إدخال الثقوب الدودية يسمح بتمثيل جميع الترتيبات المحتملة للطاقة داخل الثقب الأسود بشكل أكثر دقة، بما في ذلك الحالات الأكثر غرابة.
أظهرت النتائج أن إدراج تأثير الثقوب الدودية يسمح بحساب “الإنتروبيا شبه المجمدة” بشكل صحيح، مما يؤكد أن الإنتروبيا تبقى موجبة وتقترب من الصفر عند أبرد درجات الحرارة. وهذا يعني أن الثقب الأسود له حالة أرضية مستقرة، ويتصرف مثل أي نظام كمي طبيعي.
تفسير النتائج
لتوضيح هذه العملية، يمكن تخيل أن الثقب الأسود يحتوي على عدد من “الصناديق” المليئة بكرات تمثل حالات الطاقة المحتملة. الحسابات التقليدية كانت تركز على عدد محدود من هذه الصناديق، مما أدى إلى نتائج غير دقيقة. إضافة الثقوب الدودية تعني إضافة ممرات خفية بين هذه الصناديق، مما يسمح للكرات بالتحرك وتبادل الطاقة، وبالتالي الحصول على صورة أكثر اكتمالاً للإنتروبيا.
هذا الاكتشاف يمثل خطوة مهمة نحو فهم العلاقة بين الجاذبية وميكانيكا الكم، وهما نظريتان أساسيتان في الفيزياء الحديثة. الجمع بين هاتين النظريتين يمثل تحديًا كبيرًا للعلماء، حيث أن كل نظرية تصف جوانب مختلفة من الكون.
خطوة نحو فهم الجاذبية الكمية
يمثل هذا البحث تقدمًا كبيرًا في حل أحد أصعب الألغاز في الفيزياء الحديثة، وهو كيفية التوفيق بين ميكانيكا الكم والجاذبية. النتائج تشير إلى أن الثقوب السوداء، على الرغم من جاذبيتها الهائلة، تتبع القواعد الكمية، مما يوفر أدلة جديدة حول “البنية الميكروية للزمكان”.
يفتح هذا الاكتشاف الباب أمام المزيد من الأبحاث حول التركيب الداخلي للكون على أصغر المقاييس، وكيف تتصرف المادة والطاقة على المستوى الكمي داخل الثقب الأسود. من المتوقع أن يستمر العلماء في تطوير هذه النماذج الرياضية واستكشاف المزيد من الخصائص الغامضة للالثقوب السوداء.
في المستقبل القريب، سيتركز البحث على تطوير نماذج أكثر دقة للثقوب الدودية ودراسة تأثيرها على سلوك الثقوب السوداء. من المرجح أن تتطلب هذه الجهود تعاونًا دوليًا وتبادلًا للمعرفة بين مختلف المؤسسات البحثية. من المتوقع أن تظهر نتائج جديدة في غضون السنوات القليلة القادمة، مما قد يؤدي إلى فهم أعمق للكون.













