أصبح الجلوس لفترات طويلة جزءًا لا يتجزأ من الحياة الحديثة، مما يثير قلقًا متزايدًا بشأن تأثيره على الصحة العامة. تشير الدراسات إلى وجود ارتباط قوي بين قلة الحركة وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بالإضافة إلى مشكلات صحية أخرى. ومع ذلك، فقد كشفت أبحاث حديثة عن طريقة بسيطة للتخفيف من هذه المخاطر، وهي من خلال تعديل النظام الغذائي.
أظهرت دراسة أجرتها جامعة برمنغهام ونُشرت في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن تناول الأطعمة الغنية بالفلافانول، وهي مركبات طبيعية موجودة بوفرة في العديد من الفواكه والخضروات، يمكن أن يحمي صحة الأوعية الدموية ويقلل من الآثار السلبية للجلوس المطول. هذا الاكتشاف يضيف بعدًا جديدًا لفهمنا لكيفية مكافحة مخاطر نمط الحياة الخامل.
مخاطر الجلوس لفترات طويلة وتأثيره على الصحة
وفقًا للدكتورة كالي إم ديفيز، أخصائية الطب الرياضي في “مايو كلينك”، فإن الجلوس لأكثر من 6 إلى 8 ساعات يوميًا يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة تصل إلى 150%، حتى بالنسبة للأشخاص الذين يمارسون الرياضة بانتظام. وتشير أيضًا إلى أن قلة الحركة تساهم في ارتفاع ضغط الدم ومستويات الكوليسترول، وتضعف الدورة الدموية.
بالإضافة إلى ذلك، يرتبط الجلوس المطول بزيادة خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، وحتى الوفاة المبكرة. وتوضح الدراسات أن مخاطر الجلوس المزمن يمكن أن تكون مماثلة لمخاطر التدخين أو السمنة، وأن مجرد ساعتين من الجلوس المتواصل يمكن أن تقلل من تدفق الدم الغني بالأكسجين إلى الدماغ.
الفلافانول كحل للتغلب على آثار قلة الحركة
ركزت الدراسة التي أجريت في جامعة برمنغهام على تأثير الفلافانول على وظائف الأوعية الدموية. قامت الباحثون بتقسيم المشاركين إلى مجموعتين، وتناول أحدهما مشروبًا غنيًا بالفلافانول بينما تناول الآخر مشروبًا وهميًا. ثم تم قياس وظيفة الأوعية الدموية لدى المشاركين بعد ساعتين من الجلوس.
أظهرت النتائج أن تناول الفلافانول يساعد في الحفاظ على صحة الأوعية الدموية وتقليل الآثار السلبية للجلوس، بغض النظر عن مستوى لياقة الشخص. وقالت الدكتورة كاتارينا رينديرو، أستاذة علوم التغذية المساعدة في الجامعة، إن هذه النتائج تشير إلى أن الخيارات الغذائية البسيطة يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في حماية صحة القلب خلال فترات الخمول.
أطعمة غنية بالفلافانول يجب إضافتها إلى نظامك الغذائي
تشمل الأطعمة الغنية بالفلافانول التي يمكن تضمينها في النظام الغذائي: التفاح، والتوت، والعنب، والبرقوق، والكرنب، والمكسرات، بالإضافة إلى الشاي الأسود والأخضر، والكاكاو غير المحلى. هذه المصادر الطبيعية توفر مركبات حيوية تساعد في تحسين صحة الأوعية الدموية ومواجهة مخاطر الجلوس الطويل.
الجلوس: التوازن هو المفتاح
على الرغم من أهمية النظام الغذائي، تؤكد الخبراء على أن التوازن بين الجلوس والوقوف والمشي هو أمر ضروري للحفاظ على صحة جيدة. تقول الدكتورة ديفيز إن القيام بتمرين واحد مكثف لا يكفي لتعويض آثار الجلوس لفترات طويلة، بل يجب النهوض والحركة بانتظام على مدار اليوم.
وتنصح بضبط الهاتف للتذكير بالنهوض والحركة لمدة 5 دقائق على الأقل كل ساعة، أو استخدام جهاز المشي، أو التنزه أثناء التحدث في الهاتف. تضيف الدكتورة أندريا زد لاكروا، أستاذة علم الأوبئة في جامعة كاليفورنيا، أن النهوض 3 مرات كل ساعة قد يكون أكثر فعالية من النهوض مرة واحدة فقط.
بشكل عام، يشدد الخبراء على أهمية دمج الحركة في الروتين اليومي، مع الأخذ في الاعتبار أن الوقوف لمدة ساعتين على الأقل يوميًا يحرق سعرات حرارية أكثر من الجلوس، ولكن يجب تجنب الوقوف لفترات طويلة بشكل متواصل لتجنب إجهاد العضلات والمفاصل.
الخطوات التالية والآفاق المستقبلية
من المتوقع أن تجرى المزيد من الدراسات لتقييم تأثير الفلافانول على صحة الأوعية الدموية لدى النساء، مع مراعاة التغيرات الهرمونية خلال الدورة الشهرية. كما ستسعى الأبحاث المستقبلية إلى تحديد الكميات المثالية من الفلافانول التي يجب تناولها للحصول على أقصى فائدة صحية. في هذه الأثناء، يعتبر دمج الأطعمة الغنية بالفلافانول في النظام الغذائي، جنبًا إلى جنب مع زيادة النشاط البدني، خطوة واعدة نحو مكافحة مخاطر نمط الحياة الخامل.













