تراجع الجنيه المصري بأكثر من 2% في السوق الخارجية، اليوم الاثنين، ليسجل أدنى مستوى له على الإطلاق عند 51.62 جنيهًا مقابل الدولار قبل أن يقلص خسائره إلى 51.36 جنيها للدولار، بحسب ما أفاد تقرير لوكالة بلومبيرغ.
وجاء الهبوط عقب اضطرابات اجتاحت الأسواق العالمية بعد فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب سلسلة من الرسوم الجمركية الشاملة على مختلف الدول، فيما بات يُعرف بـ”يوم التحرير التجاري”.
ورغم أن مصر كانت من الدول التي واجهت أقل نسبة من الرسوم التي أعلنها ترامب -10% فقط مقارنة بـ17% على إسرائيل و39% على العراق- إلا أن الأسواق الناشئة لم تكن بمنأى عن التداعيات، حيث فرّ المستثمرون الأجانب من الأصول ذات المخاطر العالية نحو الملاذات الآمنة.
هروب جماعي من أدوات الدين المصرية
وبحسب تقديرات غولدمان ساكس وبنك الاستثمار هيرميس في القاهرة، فإن الأسواق المصرية شهدت نزوح أكثر من مليار دولار من استثمارات المحافظ الأجنبية، خاصة من سوق أدوات الدين التي كانت تعتبر من الأعلى عائدًا عالميًا ضمن ما يُعرف بإستراتيجية الـ”كاري تريد”.
وقال فاروق سوسة، كبير اقتصاديي غولدمان ساكس لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن “التحول العالمي نحو تفادي المخاطر الذي أثارته رسوم ترامب، أدى إلى تخفيض المستثمرين لانكشافهم على جميع الأصول ذات المخاطر، بما فيها مصر”.
وأضاف أن “اقتصاد مصر يُعد اقتصادًا هشًا نسبيًا من حيث التصنيف الائتماني، وأن مصر تواجه احتياجات تمويل خارجية كبيرة، مما يجعلها عرضة للبيع المكثف”.
توقعات بوصول الدولار إلى 54 جنيهًا
ووفقًا لمونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري، فإن الجنيه المصري قد يواصل تراجعه، مع احتمال وصوله إلى 54 جنيهًا للدولار، ما لم يتم احتواء التقلبات الراهنة. ومع ذلك، أشارت إلى أن “دعم المجتمع الدولي برنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر، خاصة صندوق النقد الدولي، لا يزال عاملًا مهمًا يحافظ على ثقة المستثمرين”.
وكانت مصر قد نفذت في مارس/آذار 2024 خفضًا كبيرًا لقيمة الجنيه في محاولة لإنهاء أزمة نقص العملة الأجنبية والحصول على دعم موسّع من صندوق النقد الدولي، وهي الخطوة التي وفّرت استقرارًا مؤقتًا قبل موجة التذبذبات الأخيرة.
قرار الفائدة في الميزان
ويتزامن تراجع الجنيه الحالي مع ترقب الأسواق قرار البنك المركزي المصري في 17 أبريل/نيسان الحالي، حيث كان التباطؤ الملحوظ في معدل التضخم – الذي تراجع إلى النصف في فبراير/آب – قد فتح الباب لأول خفض للفائدة منذ 2020.

غير أن مالك حذّرت من أن “استمرار التقلبات قد يدفع البنك المركزي إلى الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، حفاظًا على جاذبية العوائد المحلية للمستثمرين الأجانب”.
من جهته، أشار بنك هيرميس في مذكرة بحثية إلى أن دورة التيسير النقدي لا تزال قائمة، لكن نطاق الخفض المتوقع قد ينخفض إلى الحد الأدنى من التقديرات السابقة (200 نقطة أساس)، بسبب تزايد حالة عدم اليقين.
الصادرات ليست في خطر
على الجانب الإيجابي، أوضح سوسة، أن مصر لا تعتمد كثيرًا على الصادرات كمحرك رئيسي للنمو، مما يجعلها “أقل عرضة مباشرة لتداعيات الرسوم الجمركية”. ومع عملة مقوّمة بأقل من قيمتها الحقيقية ودعم من صندوق النقد الدولي، فإن مصر -بحسب قوله- “في وضع جيد للاستفادة عندما تعود شهية المخاطرة للأسواق”.
ورغم ذلك، يبقى مشهد الاقتصاد المصري قاتمًا في الوقت الراهن، إذ تتقاطع فيه الضغوط العالمية مع نقاط الضعف الداخلية، وتُهدد الاستقرار النقدي والمالي للبلاد ما لم تُتخذ تدابير إضافية لكبح الهشاشة القائمة، وفق ما خلص إليه تقرير بلومبيرغ.