عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم مؤتمره السنوي الذي طال انتظاره، في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية مع الغرب وتطورات الحرب في أوكرانيا. وقد تابع المواطنون الروس المؤتمر عبر شاشات عملاقة في مختلف المناطق الزمنية للبلاد، حيث تم استقبال أسئلة من الصحافة والمواطنين العاديين عبر خطوط الهاتف المباشرة. وتلقى بوتين، حسبما أفاد الكرملين، ما يقرب من ثلاثة ملايين سؤال من المواطنين، مما يعكس الاهتمام الشعبي بالقضايا المطروحة.
وبدأ المؤتمر في وقت يشهد فيه الصراع في أوكرانيا مرحلة حرجة، مع استمرار الضغوط الغربية على موسكو، والسعي الدبلوماسي لإيجاد حلول. وقد ركزت الأسئلة الأولية على الوضع في أوكرانيا، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، والتحديات الداخلية التي تواجه البلاد. وتأتي هذه التطورات في سياق جهود روسية متزايدة لتعزيز نفوذها الإقليمي والدولي.
الحرب في أوكرانيا: بوتين يؤكد على مواصلة العمليات العسكرية
أكد الرئيس بوتين خلال المؤتمر أن القوات الروسية تواصل تحقيق التقدم في شرق أوكرانيا، مشيراً إلى أن موسكو ستسعى إلى تحقيق أهدافها بالقوة إذا فشلت الجهود الدبلوماسية. وأضاف أن “قواتنا تتقدم على امتداد خط التماس برمته، والعدو يتراجع في كل الاتجاهات”، معرباً عن ثقته في تحقيق المزيد من النجاحات قبل نهاية العام. هذا التصريح يعكس موقفاً روسياً متشدداً تجاه الأزمة الأوكرانية، ويشير إلى عدم وجود نية للتراجع عن المطالب الروسية.
وفيما يتعلق بضم المناطق الأوكرانية، أوضح بوتين أن هذه المناطق تعتبر الآن جزءاً لا يتجزأ من روسيا، وأن أي محاولة لتهديدها ستواجه رد فعل قوياً. وتأتي هذه التصريحات في وقت ترفض فيه أوكرانيا والمجتمع الدولي الاعتراف بضم هذه المناطق، وتعتبره انتهاكاً للقانون الدولي. الوضع في أوكرانيا يظل محوراً رئيسياً للقلق الدولي، ويتطلب جهوداً دبلوماسية مكثفة لإيجاد حل سلمي ومستدام.
العقوبات الغربية وتأثيرها على الاقتصاد الروسي
تطرق بوتين إلى تأثير العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي، مؤكداً أن الاقتصاد صامد وقادر على التكيف مع الظروف الجديدة. وأشار إلى أن روسيا تعمل على تنويع شراكاتها التجارية، وتعزيز الإنتاج المحلي، وتقليل الاعتماد على الاستيراد. ومع ذلك، اعترف بوتين بوجود بعض التحديات، مثل ارتفاع التضخم وتقلبات أسعار الصرف، مؤكداً أن الحكومة تتخذ الإجراءات اللازمة لمعالجتها. تعتبر العقوبات الغربية أداة ضغط رئيسية على روسيا، وتهدف إلى تغيير سلوكها في أوكرانيا.
تحذيرات للغرب وتصعيد في الخطاب
وجه الرئيس بوتين تحذيراً شديد اللهجة للغرب، متهماً إياه بتبني سياسات عدائية تجاه روسيا، والسعي إلى تقويض أمنها واستقرارها. وأكد أن روسيا لن تتردد في الدفاع عن مصالحها، وأن أي تهديد لها سيواجه رد فعل حاسماً. كما انتقد بوتين مقترح الاتحاد الأوروبي باستخدام الأصول الروسية المجمدة لتمويل المساعدات العسكرية لأوكرانيا، واصفاً إياه بأنه “سطو” و”عمل غير قانوني”. هذا التصعيد في الخطاب يعكس حالة من عدم الثقة المتبادل بين روسيا والغرب، ويؤثر سلباً على آفاق حل الأزمة الأوكرانية.
وفي سياق متصل، أعرب بوتين عن تقديره لدونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق، مشيداً بجهوده في السعي إلى حل الصراع في أوكرانيا. وأشار إلى أن ترامب كان أكثر واقعية وفهماً للمصالح الروسية من الإدارات الأمريكية الأخرى. هذا التصريح يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات الروسية الأمريكية، واحتمال تحسنها في حال عودة ترامب إلى الرئاسة.
نظرة على الوضع الاقتصادي الداخلي
أشار بوتين إلى أن الوضع الاقتصادي في روسيا مستقر، وأن الحكومة تعمل على دعم النمو الاقتصادي، وتحسين مستوى معيشة المواطنين. وأعلن عن خفض سعر الفائدة الرئيسي من قبل البنك المركزي، في محاولة لتحفيز الاستثمار والإنفاق. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات اقتصادية كبيرة تواجه روسيا، مثل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وتدهور البنية التحتية. يتطلب معالجة هذه التحديات جهوداً كبيرة من الحكومة والمجتمع المدني.
واختتم بوتين المؤتمر بالتشديد على أن روسيا مستعدة للحوار والتفاوض مع جميع الأطراف المعنية، بهدف إيجاد حل سلمي للأزمة الأوكرانية. لكنه أكد في الوقت نفسه أن روسيا لن تتنازل عن مصالحها الأساسية، وأنها ستواصل الدفاع عن أمنها واستقرارها. من المتوقع أن يستمر الوضع في أوكرانيا في التأثير على السياسة الروسية والعلاقات الدولية في المستقبل القريب، ويتطلب مراقبة دقيقة للتطورات على الأرض.













