وأثار الفنان فايز المالكي، جملةً من التساؤلات في رمضان الماضي وحتى اليوم، حين ذكر نصّاً «إذا شفتو أي مشهور بين المعتمرين والحجاج وفي مكة ويعلن عن وقف أو سقيا أو إفطار صائم أو وقف خيري، اعرفوا جيداً أنه صاك مليون ريال وأنتم تدرعمون يا إخوان، فيه منصات حكومية تدفع من خلالها».
واضطر عدد من المشاهير للرد بشكل غير مباشر، وقالوا: إنهم لو أخذوا مقابلاً فهو من أبسط حقوقهم، وطالبوا من لديهم شك بأن يسألوا على أرض الواقع عن مشاريع هذه الجمعيات.
نواف العتيبي، يرى أن الإفصاح المحاسبي ملزمة به كل جهة، ولكن ما يستغربه قيمة الإعلانات التي يتقاضاها المشاهير من خلال الجمعيات؛ وفق رواية المالكي. واستغرب العتيبي، من صرف الإعلانات المليونية من جمعيات تبحث عن ملاليم. ولفت عبدالعزيز السفياني، إلى إعلانات المشاهير للجمعيات في رمضان وحث متابعيهم على التبرع ولو بريال، متسائلاً: لماذا لا يقدم هذا المعلن عمله الخيري بالمجان؟
إعلانات وأموال
أستاذ المال بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور سالم باعجاجة، يقول: لا بد للجمعيات الخيرية من الإفصاح عن تلك الموارد المالية الداخلة في حساب الجمعية، وكذلك الإفصاح عمّا تم صرفه، في ظل سعي بعضها، خصوصاً في المناسبات الدينية مثل رمضان والحج، إلى تصميم إعلانات لجذب فاعلي الخير، إذ يعتمد بعض مسؤولي الجمعيات على إعلانات مدفوعة الأجر في وسائل الإعلان المختلفة، معتقدين أن الإعلانات ستجذب الكثير من أهل الخير بدفع زكواتهم وصدقاتهم عن طريق الجمعية، وكذلك الخدمات الأخرى التي تقدمها الجمعيات، مثل المشاريع الخيرية من رعاية أيتام وحفر آبار وبناء مساجد، وغير ذلك من أعمال البر التي تقدمها الجمعيات الخيرية، وهذه الإعلانات مؤثرة واحترافية تجني ثمارها وتحقق نتائج جيدة، وتجمع موارد مالية كبيرة.
وأضاف باعجاجة، أن الإعلانات تؤثر بشكل كبير في جمع الأموال للجمعيات، التي بدورها تقوم بتقديم الأعمال الخيرية وتوزيع الأموال على المحتاجين، والأعمال الخيرية.
رقابة مالية وإدارية
قال رئيس مجلس إدارة جمعية زراعة القوقعة (اسمعك) نايف الوسمي: من ضمن استراتيجية الجمعيات الخيرية برامج وفق خططها التشغيلية السنوية، وكون الجمعيات تعتمد على تسويق تلك البرامج؛ سواء أكانت برامج تنموية أو صحية واجتماعية وأسرية أو أوقافاً قيد الإنشاء، فتعتمد بهذه الحالة على من يسوق تلك البرامج بشكل يضمن العائد المادي الذي يذهب، بدوره، إلى أصحاب العلاقة وهم المستفيدون الأكثر احتياجاً، لذا تلجأ الجمعيات إلى من يقف معها من أصحاب الخبرة، لذا تتعاقد مع جهات تسويقية خيرية تدعم وتسوق تلك البرامج لصدور تنظيم من المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي بهذا الخصوص والتقيّد به، الذي ينظم تلك العملية التسويقية بين الطرفين، علماً بأن أهم أهداف الجمعيات الخيرية، تحسين جودة الحياة لزارعي القوقعة من خلال تحسين الظروف المعيشية للأفراد المحتاجين، وتوفير حياة كريمة لهم ولأسرهم بالدعم الصحي والنفسي والاجتماعي والأسري، وخلق تأثير إيجابي يمتد للأجيال القادمة يتوافق مع رؤية 2030، موضحا أن جمعيتهم (اسمعك) بلغ عدد المستفيدين من خدماتها 2060 زارعاً للقوقعة، وأمنوا تكاليف زراعة 163 غرسة لغير القادرين، وأن جمعيتهم تحرص على مساعدة زارعي القوقعة من خلال توفير قطع الغيار لهم وتخصيص جلسات تأهيل مجانية وأخرى مخفضة.
الوسمي أكد أن كل الجمعيات تخضع للرقابة المالية الدقيقة من قبل الجهات ذات الاختصاص؛ التي لا تسمح بتاتاً حدوث أي تجاوز أو هدر، ودائماً تحرص على أن يشرف على هذه الجمعيات إدارياً كوادر مؤهلة على تنمية موارد الجمعيات وعدم ضياعها.
اختلاف الوضع السابق
رئيس مجلس الجمعيات الأهلية الدكتور سعدون السعدون، أكد أن دور الجمعيات جاء ترسيخاً لاهتمام القيادة بدعم القضايا الإنسانية والاجتماعية، وتعزيزاً لنهج المملكة في التنمية المستدامة، لذلك تسير الجمعيات الأهلية على النهج نفسه في تعزيز قيم العطاء والتكافل في المجتمع، وتوجيه الجهود نحو التحول من الرعاية إلى التنمية في دعم الفئات الأشد احتياجاً وتحسين جودة حياتهم، وكذلك شركاؤهم في المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي الذي يصدر التقارير اللازمة بهذا الشأن، مضيفاً أن الوضع سابقاً كان مختلفاً عما كانت عليه الصورة الذهنية لدى عامة الناس عن ضعف الموثوقية والنزاهة في الجمعيات.
وأوضح أن الوضع ليس كما يُشاع، حيث تخضع الجمعيات الخيرية لجهات إشرافية ورقابية مختلفة ومتنوعة تتمثل في المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي كإشراف فني وإداري والعديد من الوزارات والجهات الاعتبارية التي تشرف فنياً على الجمعيات، وتطبق على الجمعيات قواعد الحوكمة وتخضع للجان مراجعة داخلية ومكاتب محاسبية متخصصة في مراجعة وتدقيق القوائم المالية والتقارير منذ لحظة استلام التبرع وحتى وصوله للمستفيد، كما تخضع كافة الجمعيات الأهلية للإشراف والمتابعة للتأكد من تنفيذها الخطط المالية؛ حسب ما هو مخطط لها وفق الخطط والاستراتيجيات المتبعة، ولجميع ما يدخل للجمعيات من إيرادات؛ سواءً تبرعات أو دعم من الجهات المانحة أو المانحين أو استثمارات، وتطبق عليها معايير السلامة المالية ومستوى الامتثال بالأنظمة والتشريعات المعتمدة الصادرة من المركز والجهات المختصة لقياس مستوى الشفافية واستعدادها للإفصاح عن بياناتها وإنجازاتها لأصحاب المصلحة.
%89.7 موثوقية الحوكمة
مدير التسويق بجمعية (تراؤف) سلطان الظفيري، يرى أنه يمكن لمنظمات القطاع غير الربحي تعزيز صورتها الذهنية لدى المجتمع وكسب ثقة الجمهور الخارجي من خلال أمور ترتكز على محاور عدة؛ أهمها محور المستفيد الذي أسست من أجله المنظمة، وذلك ببذل الجهد في تقديم الخدمة له بشكل مميز وعلى أكمل وجه ووفق ما خُطط له، فتقديم الخدمات للمستفيدين عنصر مهم وقوي في كسب الثقة؛ لأنها من ذات المعني بالخدمة مباشرة، فرضاه هدف وغاية، ومن ثم تجويد عمل تلك المنظمات وحوكمتها وفق نظام فاعل يضمن عدم انحراف تلك المنظمات عن مسارها وهدفها الأساسي الذي أسست من أجله؛ بدءًا بوجود أهداف استراتيجية واضحة المعالم يشترك في إعدادها المعنيون بالمنظمة عن قريب وبعيد، وإشراك المجتمع في تنفيذ تلك الخدمات بشكل مباشر وغير مباشر من خلال المتطوعين والداعمين والإسهام الفاعل من قبل المؤسسات الأخرى الخاصة والحكومية لتنفيذ تلك البرامج، ومن ثم يأتي دور إبراز تلك الجهود وفق خطط إعلامية متنوعة وعبر وسائل ومبادرات مختلفة للوصول لشريحة عالية من المجتمع وكسب ولاءاتهم وانتماءاتهم فضلاً عن ثقتهم، فالقطاع اليوم رابح بمجتمعه، قوي بإسهامات مواطنيه.
الشفافية وتقبّل الآراء مطلب
مشرف الجودة والتميز المؤسسي بجمعية (يُسر) الخيرية حمدان المعبدي، يرى أن طلب الاستيضاح والتأكد والتحقق حق مشروع لكل من يساهم ويشارك في دعم القطاع غير الربحي، ويجب على القائمين على القطاع تطبيق معايير الحوكمة بكل شفافية، وعلى الجمعيات فتح آفاق التواصل الاجتماعي مع أطياف المجتمع ومشاركتهم في العمل وتقبل الآراء الصادقة الناصحة التي تسعى للارتقاء بالعمل الخيري وتطويره، ونتطلع من الجهات الرسمية وذات الاختصاص المشرفة على عمل الجمعيات أن تبرز الجهود العظيمة والمساهمات الرائدة التي تقدمها الجمعيات لخدمة ضيوف الرحمن في الحرمين الشريفين وغيرهما، ونطمح من المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي ومجلس الجمعيات والجمعيات الخيرية أن تنشئ إدارات قانونية متخصصة تبرز الجانب النظامي والقانوني للجمعيات، وأيضاً تقوم بالدفاع عن القطاع وحفظ حقوقه.
مساندة كبار السن
في نموذج إنساني آخر لما تقدمه إحدى الجمعيات، قال المدير التنفيذي لجمعية (واحة الوفاء) لمساندة كبار السن بطحي البطحي: إنهم يخدمون أي كبير سن بالقصيم؛ سواء في المنازل أو المستشفيات أو دور الرعاية، في سبيل تحسين جودة الحياة، ودعمهم في مختلف جوانب حياتهم؛ مثل التأهيل الصحي والرياضي لهم في المسطحات الخضراء لتحسين الحالة النفسية، وخدمة توفير المستلزمات الطبية لطريحي الفراش، وتوفير سيارات مجهزة برافعة وسيارة إسعاف لنقل كبار السن غير القادرين على الحركة إلى المستشفيات والدوائر الحكومية وغيرهما، إضافة لخدمة الزيارة المنزلية الطبية، وخدمة جليس كبير السن عبر تأهيل مجموعة من الشباب لمرافقة كبار السن خلال فترات انشغال ذويهم، وخدمة الوسيط لمساعدة كبار السن على استخدام التطبيقات الإلكترونية والمواقع. ودعا البطحي إلى أهمية مراعاة كبار السن في عدة جوانب لضمان تعزيز استقلاليتهم ورفاهيتهم النفسية كتشجيع الاستقلالية كقيادة السيارة والطهي إذا كانوا قادرين لإشعارهم بالعطاء، والثقة بأنفسهم، والإنصات لآرائهم، وتعزيز التواصل الاجتماعي، وتشجيعهم على المشاركة في التجمعات العائلية والأنشطة الاجتماعية لمنع العزلة، وتنظيم اجتماعات دورية تساعد في الحفاظ على روابطهم الاجتماعية، وتدعم صحتهم النفسية والعاطفية.
4 ركائز أساسية
المتحدث باسم جمعية (مأوى) يوسف الفردوس، أكد أن الجمعية تتضمن خدماتها بناء وتطوير الحلول السكنية المستدامة للأسر الأشد حاجة، حيث تتكامل الجمعية مع الشركاء من الجهات الحكومية والقطاع الخاص والقطاع غير الربحي. وأضاف أن الجمعية تستهدف التكامل والشراكات مع مستهدفات وأهداف رؤية 2030، من خلال المساهمة في رفع الناتج المحلي وعن طريق المشاركة الفاعلة للأهداف الإستراتيجية؛ التي تشمل توسيع أثر القطاع غير الربحي وتمكين العمل التطوعي، وتأمين السكن الملائم لمستفيدي الضمان الاجتماعي الأشد حاجة، وتمكين المواطنين من الحصول على مسكن ملائم، وتحفيز المعروض العقاري لرفع إنتاجيته وتوفير منتجات سكنية بالسعر والجودة.
ولفت الفردوس إلى أن (مأوى) تهتم بـ4 ركائز أساسية وهي: ركيزة المستفيد، والأرض، والتبرع، والحل السكني، كما تتواصل مع رجال الأعمال والمؤسسات المانحة من خلال منصاتهم الخاصة، وقد حقق دعمهم للجمعية نتائج واضحة أثمرت عن تنفيذ الجمعية خطتها التوسعية في بناء منازل الأسر الأشد حاجة، كما تحصل الجمعية على استشارات من أصحاب الخبرة لتنفيذ أعمالها في بناء الوحدات السكنية وابتكار الحلول السكنية وإدخال الذكاء الاصطناعي وتفعيل التطوع الاحترافي.