منحت السلطات السورية مؤخرًا ترخيصًا رسميًا لمنظمة “مؤسسة التراث اليهودي في سوريا” بهدف استعادة الممتلكات التي صودرت من أفراد من الجالية اليهودية السورية خلال العقود الماضية. يمثل هذا الإجراء تحولًا ملحوظًا في السياسة السورية، ويشير إلى جهود متزايدة لإعادة بناء العلاقات مع الجالية اليهودية المتبقية والمنفيين. وتأتي هذه الخطوة في سياق التغييرات السياسية والاقتصادية التي تشهدها سوريا بعد فترة طويلة من الصراع وعدم الاستقرار، مع التركيز على إعادة إحياء التراث الثقافي المتنوع للبلاد، بما في ذلك الممتلكات اليهودية في سوريا.
أعلنت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، هند قبوات، أن هذا الترخيص هو “رسالة قوية” تؤكد على عدم التمييز بين الأديان والطوائف في سوريا الجديدة. وأضافت أن الدولة السورية تسعى لمساعدة جميع السوريين على إعادة بناء البلاد، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية. وقد تلقت المنظمة دعمًا من محافظ حلب، الذي أكد على استعداده لدعم جهود استعادة الممتلكات المصادرة.
استعادة التراث: تفاصيل حول ترخيص المنظمة ومهامها
تأسست “مؤسسة التراث اليهودي في سوريا” برئاسة هنري حمرا، الذي هاجر إلى الولايات المتحدة في التسعينيات بعد أن غادر والده، الحاخام يوسف حمرا، سوريا. وتهدف المنظمة إلى حصر وتقييم الممتلكات التي صودرت من اليهود السوريين، والعمل على إعادتها إلى أصحابها الشرعيين أو ورثتهم. بالإضافة إلى ذلك، تسعى المنظمة إلى حماية وترميم الكنائس والمعابد اليهودية التاريخية في سوريا، وإتاحة الفرصة لليهود من جميع أنحاء العالم لزيارتها.
زيارات للمواقع التاريخية وتوثيق الممتلكات
قام هنري حمرا بزيارة إلى دمشق والتقى بالوزيرة قبوات، كما زار كنيس الفرنج مع ابنه جوزيف. وقد نشر المدير التنفيذي لـ”منظمة السورية للطوارئ”، معاذ مصطفى، صورًا للزيارة، مشيرًا إلى أن المنظمة قامت حتى الآن بتوثيق “عشرات المنازل” التي صودرت من اليهود السوريين خلال فترة حكم بشار الأسد. وتشير التقديرات إلى أن عدد المنازل والممتلكات المصادرة قد يكون أكبر بكثير.
في حلب، تلقت مجموعة من الحاخامات الإسرائيليين حراسة مشددة أثناء زيارتهم لكنيسين يهوديين مغلقين منذ عقود. تهدف هذه الزيارة إلى تقييم حالة هذه المواقع التاريخية وتحديد احتياجات الترميم. تعتبر حلب مدينة ذات أهمية خاصة للتراث اليهودي، حيث كانت تضم “مخطوطة حلب” الشهيرة للكتاب المقدس العبري قبل نقلها إلى إسرائيل في عام 1947.
تراجع الجالية اليهودية السورية
وفقًا لتقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان، كانت الجالية اليهودية في سوريا تضم حوالي خمسة آلاف نسمة قبل التسعينيات. ومع ذلك، انخفض هذا العدد بشكل كبير بعد السماح لليهود بمغادرة البلاد في عام 1992، بسبب القيود والظروف المعيشية الصعبة. اليوم، أصبحت الجالية اليهودية في سوريا أقلية صغيرة جدًا، ويقدر عدد أفرادها بالمئات.
في بداية العام الحالي، أعرب وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، عن ترحيبه بعودة اليهود السوريين إلى بلدهم بعد التغيير السياسي. واعتبر أن عودتهم تمثل جزءًا من استعادة سوريا لدورها الإقليمي ومجتمعها المتنوع. وتشير التقارير إلى أن السلطات السورية تسعى إلى تحسين العلاقات مع الجالية اليهودية المتبقية، من خلال السماح بزيارات من مجموعات يهودية دولية.
وقد تمت الموافقة على زيارة قام بها دافيد هوروفيتس، رئيس تحرير صحيفة تايمز أوف إسرائيل، في سبتمبر الماضي، من قبل وزارة الخارجية السورية. تأتي هذه الزيارات في إطار جهود أوسع لإعادة بناء الثقة وتعزيز الحوار بين سوريا والجالية اليهودية في الخارج. وتشمل هذه الجهود أيضًا مناقشة قضايا تتعلق بحقوق الملكية واستعادة الممتلكات.
من المتوقع أن تستمر السلطات السورية في العمل مع “مؤسسة التراث اليهودي في سوريا” لتوثيق الممتلكات المصادرة ووضع خطة لإعادتها. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه هذه العملية، بما في ذلك تحديد أصحاب الحقوق الشرعيين، وتقييم قيمة الممتلكات، وتوفير التمويل اللازم للترميم. من المهم مراقبة التقدم المحرز في هذا الملف، والتأكد من أن عملية استعادة الممتلكات اليهودية في سوريا تتم بشفافية وعدالة، مع احترام حقوق جميع الأطراف المعنية. كما يجب متابعة أي تطورات في السياسة السورية تجاه الجالية اليهودية، بما في ذلك إجراءات تسهيل عودة المهجرين والسماح لهم بممارسة شعائرهم الدينية بحرية.
الخطوة التالية المتوقعة هي نشر قائمة أولية بالممتلكات التي تم تحديدها من قبل المنظمة، وبدء عملية التواصل مع أصحاب الحقوق أو ورثتهم. من غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت هذه العملية ستشمل تعويضات مالية بالإضافة إلى استعادة الممتلكات العينية.













