في ظل تزايد الاهتمام بالصحة والوزن المثالي، تتزايد الأبحاث التي تشير إلى أن التركيز على الرقم الظاهر على الميزان وحده قد يكون مضللاً. أظهرت دراسات حديثة، بما في ذلك أبحاث نشرت في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية “جاما”، أن هناك حالات من “السمنة الخفية” أو ما يعرف بـ “النحافة مع السمنة”، حيث يمكن للأفراد أن يتمتعوا بوزن طبيعي وفقًا لمؤشر كتلة الجسم، ولكنهم يعانون في الواقع من تراكم الدهون الحشوية الضارة، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري. هذه النتائج تدعو إلى إعادة النظر في معايير تقييم الصحة.
كشفت الأبحاث التي أجراها فريق دولي من الباحثين بالاعتماد على بيانات منظمة الصحة العالمية، والتي شملت أكثر من 471 ألف شخص في 91 دولة، أن معدل انتشار سمنة البطن عالميًا يبلغ 45%، وأن 22% من الأفراد ذوي الوزن الطبيعي يعانون من هذه المشكلة. هذا يشير إلى أن الاعتماد على مؤشر كتلة الجسم (BMI) وحده قد لا يكون كافيًا لتقييم المخاطر الصحية المرتبطة بتراكم الدهون.
ارتباط عالمي بين السمنة البطنية والأمراض المميتة
تم تعريف سمنة البطن في الدراسة على أنها محيط خصر لا يقل عن 80 سم لدى الإناث و94 سم لدى الذكور. تؤكد النتائج على أهمية قياس محيط الخصر إلى جانب مؤشر كتلة الجسم لتقديم تقييم أكثر دقة للمخاطر الصحية.
بحسب الدراسة، هناك ارتباط وثيق بين سمنة البطن، حتى لدى الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، وبين ارتفاع ضغط الدم، وداء السكري، وارتفاع الكوليسترول، وارتفاع الدهون الثلاثية. هذه العوامل تساهم بشكل كبير في اضطرابات القلب والأيض، التي تعتبر من الأسباب الرئيسية للموت حول العالم.
الدهون الحشوية وتحدي مؤشر كتلة الجسم
توضح الدكتورة ليزلي هاينبرغ، وهي اختصاصية في علم النفس السريري وإدارة الوزن، أن مؤشر كتلة الجسم لا يعكس بالضرورة توزيع الدهون في الجسم. قد يبدو الشخص نحيفًا، لكنه في الواقع يعاني من تراكم الدهون حول الأعضاء الحيوية، وهي الدهون الحشوية الأكثر خطورة.
تشير الأبحاث إلى أن الأفراد الذين يعانون من “السمنة الخفية” غالبًا ما يكونون أقل نشاطًا بدنيًا، ويستهلكون كميات أقل من الفواكه والخضروات، ويميلون إلى وظائف مكتبية أو البطالة. هذا النمط من الحياة يزيد من فرص تراكم الدهون الحشوية حتى مع الحفاظ على وزن طبيعي.
مخاطر صحية غير متوقعة
على الرغم من أن مؤشر كتلة الجسم قد يظهر وزنًا صحيًا، فإن تراكم الدهون الحشوية يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة، مثل الالتهابات المزمنة ومقاومة الإنسولين. هذا يعني أن الحفاظ على وزن طبيعي وحده لا يكفي لضمان صحة جيدة.
بالإضافة إلى ذلك، يُعد قياس مؤشر كتلة الجسم وحده غير كاف لتشكيل صورة كاملة عن الحالة الصحية للفرد. فمن الممكن أن يكون الشخص “نحيفًا من الخارج، ولكنه سمين من الداخل”، أي أن لديه نسبة عالية من الدهون في الجسم مقارنة بالعضلات.
لا تجعل وزنك محور حياتك
توصي الخبراء بالتركيز على نمط الحياة الصحي ككل، بدلاً من الانشغال بالوزن فقط. تعتبر التغذية السليمة والنشاط البدني المنتظم من العوامل الأساسية للحفاظ على صحة القلب والأوعية الدموية والوقاية من الأمراض المزمنة.
يجب أن يشمل نمط الحياة الصحي بناء العضلات، والتي تساهم في زيادة معدل الأيض وحرق الدهون. كما يجب تجنب الأطعمة الغنية بالدهون المشبعة والسكر والأطعمة المصنعة، والتركيز على استهلاك الأطعمة الطبيعية الكاملة.
إن السمنة، حتى في أشكالها الخفية، تتطلب اهتمامًا وتدخلًا مبكرًا. لا ينبغي اعتبار الوزن الطبيعي بمفرده دليلًا على الصحة الجيدة، بل يجب تقييم المخاطر الصحية بشكل شامل مع مراعاة عوامل مثل توزيع الدهون ونمط الحياة.
من المتوقع أن تستمر الأبحاث حول السمنة وعلاقتها بالأمراض المزمنة في التطور. تشير التوجهات الحالية إلى الحاجة إلى تطوير أدوات تقييم أكثر دقة لتحديد الأفراد المعرضين للخطر، بالإضافة إلى تطوير استراتيجيات وقائية وعلاجية فعالة. ستبقى مسألة تعريف الوزن الصحي موضوعًا للنقاش العلمي، مع الأخذ في الاعتبار التباينات الفردية والعوامل الوراثية والبيئية.













