قبل أكثر من ألف عام، نسج الشاعر الفارسي أبو القاسم الفردوسي ملحمة “الشاهنامة” أو “كتاب الملوك”، وهي واحدة من أكبر الدواوين الملحمية في العالم، حيث تجاوزت 60 ألف بيت شعري. وقد لعبت هذه الملحمة دورًا حاسمًا في الحفاظ على اللغة الفارسية وتاريخها.
تعتبر “الشاهنامة” إرثًا ثقافيًا مشتركًا بين الشعوب الناطقة بالفارسية، وتجسد تاريخًا وأساطيرًا قديمة تمتد لما قبل الإسلام وبعده. وقد كتبها الفردوسي على مدار 30 عامًا، مستخدمًا أسلوبًا بلاغيًا دقيقًا.
من هو أبو القاسم الفردوسي؟
ولد أبو القاسم الفردوسي في منطقة طوس بإيران الحالية عام 329 هـ وتوفي عام 416 هـ. يعتبر أعظم شاعر ملحمي فارسي، وقد وصف بأنه “هوميروس إيران” نظرًا لإسهاماته في الأدب الفارسي.
تقع مقبرة الفردوسي في شمال شرق إيران، وهي معلم وطني يجذب العديد من محبي الثقافة الفارسية. وقد تم بناء متحف ومكتبة بجانب المقبرة.
كتاب الملوك
“الشاهنامة” هي موسوعة شعرية للحكايات التاريخية والأسطورية، حيث تمتزج قصص الملوك الساسانيين مع حكايات الأبطال الأسطوريين. وقد لعبت دورًا مهمًا في الحفاظ على الفارسية كلغة أدب وعلم.
أكد الباحث عبد الكريم جليل أن “الشاهنامة” ساهمت في حفظ الفارسية ورسخت وعيًا حضاريًا لدى الأفغان بأنهم جزء من فضاء ثقافي أوسع.
الأفغان والشاهنامة
جغرافيًا، كانت أجزاء واسعة من أفغانستان الحالية جزءًا من خراسان، حيث تشكلت وانتشرت “الشاهنامة”. يعتبر الأفغان هذا العمل إرثًا حضاريًا مشتركًا يعكس تاريخهم وأساطيرهم.
أوضح أستاذ الأدب الفارسي محمد عباس أن “الشاهنامة” تحتوي على أسماء أماكن تاريخية أفغانية، مثل كابل وبلخ وزابل، مما يجعلها امتدادًا لتراثهم الثقافي.
جسر بين الحاضر والماضي
يرى خبراء الثقافة والأدب الأفغان أن “الشاهنامة” توحد الأفغان الناطقين بالفارسية وتمنحهم شعورًا بالانتماء لتاريخ طويل. ظلت هذه الملحمة حاضرة في الأدب والفنون والذاكرة الشعبية.
قال الكاتب عبيد صافي إن قراءة “الشاهنامة” كانت تقليدًا قديمًا في أفغانستان، حيث كان الناس يجتمعون لسماع الأشعار في ليالي الشتاء.
ترجمت إلى العربية
تمت ترجمة “الشاهنامة” إلى العربية نثرًا بأمر من الملك المعظم بن العادل الأيوبي في دمشق في القرن السابع الهجري. وقد تم تحقيقها على عدة مخطوطات.
تبقى “الشاهنامة” في أفغانستان أكثر من مجرد ملحمة شعرية؛ فهي جسر بين الماضي والحاضر وذاكرة ثقافية تعيد للأفغان الشعور بالانتماء إلى حضارة عريقة.
بينما تتغير السياسات والأنظمة، يظل الفردوسي حاضرا في الثقافة الفارسية، شاهدًا على قدرة الأدب على عبور الزمن والحدود.













