أعلنت عائلة أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص الوطني التونسية، عن اعتقاله اليوم الخميس، لتنفيذ حكم قضائي بالسجن لمدة 12 عامًا في ما يعرف بـ”قضية التآمر على أمن الدولة”. يأتي هذا الاعتقال في خضم تصاعد التوتر السياسي في تونس، وتزايد الاعتقالات بين المعارضين السياسيين، مما يثير قلقاً واسعاً بشأن الوضع الحقوقي في البلاد.
وأكدت المحامية هيفاء الشابي، وهي أيضاً ابنة زعيم الجبهة المعارضة، في تصريح فيديو نشرته اليوم، أن الشرطة أوقفت والدها واقتادته إلى السجن. وأشارت إلى إمكانية الطعن في الحكم، لكنها أوضحت أن إجراءات الطعن في قضايا مرتبطة بأمن الدولة لا توقف تنفيذ العقوبة.
“قضية التآمر” وتداعياتها السياسية
يعد أحمد نجيب الشابي، البالغ من العمر 82 عامًا، من أقدم وأبرز الشخصيات المعارضة في تونس، حيث امتدت مسيرته النضالية لتشمل فترتي حكم الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. لقد كان الشابي من الأصوات البارزة المطالبة بالإصلاح السياسي والاجتماعي في تونس لعقود.
وقبل يومين من اعتقال الشابي، ألقت قوات الأمن القبض على المحامي المعارض العياشي الهمامي، الذي صدر بحقه حكم بالسجن لمدة 5 سنوات في نفس القضية. يأتي هذا الاعتقال بعد أيام قليلة من إيقاف الناشطة شيماء عيسى، خلال مشاركتها في مسيرة احتجاجية، وذلك لتنفيذ حكم سابق بسجنها لمدة 20 عامًا في “قضية التآمر”.
أيدت محكمة الاستئناف التونسية، يوم الجمعة الماضي، أغلب الأحكام الصادرة في هذه القضية ضد العشرات من السياسيين ورجال الأعمال والنشطاء الذين تم توقيفهم في فبراير/شباط 2023. وقد تراوحت الأحكام الصادرة في هذه القضية بين السجن لسنوات عديدة والسجن المؤبد، مما يمثل تصعيداً ملحوظاً في الضغط على المعارضة.
خلفية القضية والموقف الرسمي
تتهم السلطات التونسية الموقوفين في “قضية التآمر” بالتحريض على قلب نظام الحكم والتآمر على أمن الدولة، والتخطيط لإثارة الفوضى. وقد استندت هذه الاتهامات إلى تحقيقات تتعلق باتصالات بين الموقوفين وجهات خارجية، بالإضافة إلى منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي.
في المقابل، ترفض المعارضة التونسية هذه الاتهامات وتعتبرها ملفقة ذات دوافع سياسية. وتتهم السلطات باستخدام القضاء كأداة لقمع المعارضة وإسكات الأصوات المنتقدة، وتجاهل مبادئ حقوق الإنسان والعدالة. وتشير المعارضة إلى أن المحاكمات لم تستوفِ المعايير الدولية للعدالة والشفافية.
تصاعدت الانتقادات من منظمات حقوقية دولية ومحلية بشأن هذه القضية، حيث أعربت هذه المنظمات عن قلقها العميق إزاء تدهور الوضع الحقوقي في تونس، واستهداف المعارضين السياسيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان. وشددت هذه المنظمات على ضرورة احترام حقوق الدفاع والحصول على محاكمة عادلة لجميع الموقوفين.
تأثير الاعتقالات على المشهد السياسي
تأتي هذه الاعتقالات في فترة يشهد فيها المشهد السياسي التونسي استقطاباً حاداً وتدهوراً اقتصادياً واجتماعياً. فمنذ إعلان الرئيس قيس سعيد إجراءات استثنائية في 25 يوليو/تموز 2021، شهدت تونس تحولات سياسية جذرية، منها تجميد عمل البرلمان، وحل الأحزاب السياسية، وفرض قيود على الحريات العامة.
وترفض جبهة الخلاص الوطني بقيادة أحمد نجيب الشابي هذه الإجراءات وتعتبرها غير دستورية وتقوض الديمقراطية الفتية في تونس. وقد سعت الجبهة إلى حشد الدعم الشعبي والسياسي لمعارضة سياسات الرئيس سعيد، والمطالبة بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين.
من جهة أخرى، يشير البعض إلى أن هذه الاعتقالات تهدف إلى إرساء الأمن والاستقرار في تونس، ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية. ويرى هؤلاء أن بعض القوى السياسية تسعى إلى استغلال الأزمة لإشعال الفتنة وتقويض الدولة.
من المتوقع أن تتواصل التفاعلات السياسية والقانونية بشأن هذه القضية خلال الأيام والأسابيع القادمة. وستراقب منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني عن كثب سير الإجراءات القانونية، وتطورات الوضع الحقوقي في تونس. كما ستتابع الأطراف الدولية الوضع في تونس، والتأثيرات المحتملة للاعتقالات على الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد. تبقى الإشارة إلى أن تطورات هذه القضية قد تؤثر بشكل كبير على مسار العملية السياسية في تونس، وتحدد مستقبل الديمقراطية والحريات العامة في البلاد.












