بعد سنوات من الغياب القسري، بدأ آلاف السوريين العودة لبلدهم الذي تركه بشار الأسد شبه مدمر وفرَّ هاربا، لكن بعض هؤلاء يرجع إلى حضن أهله وبعضهم الآخر لا يجد شيئا يحتضنه إلا قبور الأحبة الذين قضوا على يد النظام.
ففي ساعة متأخرة من الليل، سمعت السيدة أم أنس طرقا على باب بيتها، وعندما ذهبت لتفتح وجدت ابنها الذي غاب عنها 14 عاما كاملة وقد عاد إليها، حسب ما نقله مراسل الجزيرة عمرو الحلبي في تقريره.
قبل شهرين فقط من الآن، ما كانت هذه السيدة لتحلم مجرد حلم بعودة ابنها إليها، لكنها اليوم تجلس معه في صحن بيتهما، وتتبادل معه الحديث دون خوف بعدما سقط النظام الذي فرقهما كل هذه السنوات.
اليوم، أصبح بإمكان هذه السيدة وابنها الجلوس معا وتجاذب أطراف الحديث الذي لا يدور حول الذكريات بحلوها ومرِّها، لكنه لا يخلو أيضا من الحديث عن آمال المستقبل الذي يتوقون إليه.
لقاء في القبور
ولم يكن أنس هو الوحيد الذي قرر العودة إلى سوريا للقاء والدته بعد هروب الأسد، فقد عاد كثيرون آخرون، بينهم ميساء التي عادت للقاء والدها وابنها، ليس في بيت العائلة، وإنما في مقبرة حلب.
وبينما هي غارقة في دموعها، كانت ميساء تحكي لابنها الراحل ما حدث للعائلة بعد رحيله، فأخبرته بأن إخوته قد تزوجوا وأصبح لديهم أولاد، بينما رحل هو قبل أن تجد له عروسا.
وفي حين أصبحت ميساء قادرة على الجلوس إلى جوار أبيها وابنها اللذين قتلهما قناصة النظام ودفنا معا في قبر واحد، فإن آخرين لا يزالون يبحثون عن ذويهم ولا يعرفون لهم مصيرا.
لقد خرج آلاف المعتقلين من سجون النظام فور سقوطه، لكن آخرين ما زالوا في عداد المفقودين، ولا يعرف ذووهم لهم مكانا ولا قبرا، وهم يواصلون البحث عنهم مدفوعين بأمل تغذيه حقيقة أن كل المعجزات قابلة للتحقق بعد ما جرى.
وبينما يحتفل السوريون بانتصارهم على الأسد بعد 14 عاما من القتل والتهجير والتنكيل بكافة صوره، فإن صورة الدمار الذي تركه النظام وراءه لا يمكن لعين أن تخطئها.
لكن الناس عمَّروا أسواق حلب رغم ما طالها من خراب ودمار، كنوع من تأكيد رغبتهم في بناء بلدهم وترسيخ العدالة التي حلموا بها كثيرا بعدما رحل الأسد وبقيت سوريا وشعبها.