في تطور يثير جدلاً واسعاً، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قاضيين في المحكمة الجنائية الدولية، وذلك على خلفية إصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين. هذه الخطوة، التي اتخذت في التاسع عشر من ديسمبر 2025، تثير تساؤلات حول مستقبل القانون الدولي، واستقلالية المحكمة، والعلاقات بين واشنطن والمؤسسات القضائية الدولية.
العقوبات تستهدف قاضيين أيدا شمول الأراضي الفلسطينية ضمن اختصاص المحكمة، وأيّدا مذكرتي التوقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت. وتشمل الإجراءات حظر السفر وتجميد الأصول، مما يعكس تصعيداً غير مسبوق في المواجهة بين الولايات المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية.
ازدواجية في تطبيق القانون الدولي
هذا التحرك يعكس تناقضاً في السياسة الخارجية الأمريكية، حيث دعمت واشنطن في السابق توسيع صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية عندما استهدفت خصومها، بينما تسعى الآن إلى تقويضها عندما يتعلق الأمر بحليف مقرب مثل إسرائيل. هذا التناقض يثير تساؤلات حول مدى التزام الولايات المتحدة بمبادئ العدالة الدولية.
وفقاً للدكتور لقاء مكي، الباحث في مركز الجزيرة للدراسات، فإن الولايات المتحدة لا تعارض المحكمة من حيث المبدأ، بل تعارضها عندما تمثل قيداً على مصالحها وهيمنتها. النظام الدولي القائم على القواعد مقبول طالما يخدم الأهداف الأمريكية، لكنه يصبح عبئاً عندما يفتح الباب أمام مساءلة قادة إسرائيل أو جنود أمريكيين.
تبريرات أمريكية ومخاوف قانونية
حاول جيمس روبينز، من المجلس الأميركي للسياسة الخارجية، تبرير العقوبات بالقول إن المحكمة الجنائية الدولية تجاوزت ولايتها، لأن الولايات المتحدة وإسرائيل ليستا طرفين في نظام روما المؤسس للمحكمة، وأن واشنطن لا تعترف بالدولة الفلسطينية. لكن هذا التبرير لا يفسر اللجوء إلى عقوبات شخصية ضد القضاة بدلاً من الطعن القانوني في اختصاص المحكمة.
ويرى خبراء قانونيون أن العقوبات تمثل اعتداءً على استقلال القضاء الدولي، ومحاولة لتفكيك القانون الدولي الإنساني. فمعاقبة القضاة لممارسة صلاحياتهم يرسل رسالة مفادها أن القانون لا ينطبق إلا على الضعفاء.
تداعيات أوسع على النظام الدولي
هذه الخطوة تثير مخاوف بشأن مستقبل المحكمة الجنائية الدولية وقدرتها على العمل بفعالية. قد تدفع دولاً أخرى إلى التشكيك في نزاهة المحكمة واستقلاليتها، مما يضعف الثقة في نظام العدالة الدولية. كما أنها قد تشجع الدول القوية على تجاهل القانون الدولي والإفلات من العقاب.
بالإضافة إلى ذلك، فإن العقوبات الأمريكية تعيد طرح سؤال حول ما إذا كان القانون الدولي أداة للعدالة أم مجرد أداة سياسية في يد الأقوياء. التاريخ الحديث للمحكمة الجنائية الدولية يظهر أن معيار “السيادة” يتم استخدامه بشكل انتقائي، وفقاً لهوية المتهم وليس جسامة الجريمة.
من المتوقع أن تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية في الأسابيع القادمة. قد ترد المحكمة على العقوبات الأمريكية ببيان رسمي أو باتخاذ إجراءات قانونية أخرى. كما من المحتمل أن يناقش هذا الموضوع في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الأزمة ستؤدي إلى إصلاح نظام العدالة الدولية أو إلى تفككه.












