أطلقت شركة “فرغاني سبيس” التركية بنجاح القمر الصناعي “إف جي إن-100-دي2” إلى مداره، في إطار مشروع “أُلُغ بك” لبناء منظومة ملاحة فضائية تركية مستقلة. وقد تم الإطلاق على متن مهمة “سبيس إكس-باندواغون 4” من قاعدة كيب كانافيرال بولاية فلوريدا الأميركية صباح الأحد 2 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ويُعد “إف جي إن-100-دي2″، الذي يبلغ وزنه 104 كيلوغرامات، أكبر قمر صناعي تركي تطوره شركة خاصة حتى اليوم. وقد انفصل عن الصاروخ بعد نحو 74 دقيقة من الإقلاع، ليستقر في مدار أرضي منخفض على ارتفاع 510 كيلومترات.
إطلاق تاريخي
يشكل إطلاق القمر الصناعي “إف جي إن-100-دي2” نقطة تحول بارزة في المسار الفضائي التركي. ويأتي هذا الإنجاز استكمالا لنجاح أول قمر من السلسلة “إف جي إن-100-دي1” الذي أُطلق في يناير/كانون الثاني الماضي.
ويبرز هذا الإنجاز قدرة القطاع الخاص التركي على تنفيذ مشاريع فضائية معقدة بموارد محلية بالكامل. وقد تولى فريق “فرغاني” تصميم القمر الصناعي من الألف إلى الياء داخل تركيا، بما في ذلك أنظمة التحكم والبرمجيات ومحرك الدفع.
وفي تصريحات عقب الإطلاق، قال سلجوق بيرقدار رئيس مجلس إدارة “فرغاني سبيس” والرئيس التنفيذي لـ”بايكار” إن القمر الجديد يمثل قمرا تجريبيا ضمن مشروع “أُلُغ بك”. وأضاف أن الشركة تخطط لإطلاق أكثر من 100 قمر صناعي خلال الأعوام الخمسة المقبلة.
منظومة “ألغ بك”
تُعد منظومة “ألغ بك” مشروع تركيا الإستراتيجي لبناء نظام ملاحة فضائي مستقل بالكامل. ويستمد المشروع اسمه من الفلكي الكبير ألغ بك، أحد رموز النهضة العلمية في العالم الإسلامي.
ويعني الاستقلال الفضائي امتلاك دولة القدرة على تصميم وإنتاج وتشغيل أقمارها الصناعية ومنظوماتها الفضائية دون الاعتماد على أطراف خارجية. ويُمكِّن هذا الاستقلال الدولة من مراقبة أرضها واتصالاتها وملاحتها دون وساطة دولية.
وتسعى تركيا من خلال هذا المشروع إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في تكنولوجيا تحديد المواقع والأقمار الصناعية، وإنهاء التبعية التقنية للخارج في أحد أكثر المجالات حساسية.
مقاربة جديدة
تتبنى “ألغ بك” مقاربة مغايرة لتصميم أنظمة الملاحة العالمية التقليدية. فبدلا من الاعتماد على أقمار متوسطة المدار، تنشر “ألغ بك” عددا كبيرا من الأقمار الصغيرة في مدارات منخفضة.
ويرى الخبراء أن هذه المقاربة تمنح المنظومة قدرة أعلى على مقاومة الأعطال وتكييف أدائها حسب الحاجة. كما أنها تتيح تحديث الأنظمة بوتيرة أسرع، مع سهولة تعويض أي عطل تقني بإطلاق وحدات بديلة.
منصة اقتصادية جديدة
وبعيدا عن بعدها الإستراتيجي، تحمل منظومة “ألغ بك” وزنا اقتصاديا متصاعدا في مساعي تركيا لخفض تبعيتها التقنية. وتسعى تركيا إلى مضاعفة صادراتها من المنتجات عالية التقنية لتبلغ 30 مليار دولار سنويا.
ويرى المحللون أن مشروع “أولوغ بيك” يمكن أن يلعب دورا محوريا في تحقيق هذا الهدف. فالمنظومة لا تقتصر على كونها مبادرة علمية أو دفاعية، بل تحمل إمكانات اقتصادية ملموسة يمكن تحويلها إلى مورد إستراتيجي لتركيا.
وتشير التوقعات إلى أن نجاح المنظومة قد يفتح لتركيا أبوابا تصديرية واعدة، خاصة في مناطق مثل آسيا الوسطى والبلقان وأفريقيا، حيث تبحث دول عدة عن أنظمة ملاحة بديلة وموثوقة.
وفي الختام، ينتظر أن تواصل تركيا مساعيها نحو تعزيز قدراتها الفضائية وتحقيق الاستقلال التكنولوجي. ومع استمرار العمل على مشروع “أُلُغ بك”، يتوقع أن تشهد السنوات القليلة المقبلة تطورات مهمة في هذا المجال.













