تواجه الناشطة التونسية سعدية مصباح، رئيسة جمعية “منامتي”، محاكمة بتهم تشمل الإثراء غير المشروع وغسل الأموال، مما يثير جدلاً واسعاً حول الحريات العامة في تونس وتصاعد القيود على عمل المنظمات الحقوقية. يأتي ذلك بعد أكثر من 19 شهرًا من توقيفها في مايو 2024، وسط اتهامات تتعلق بتمويل الجمعية وأنشطتها التي تدافع عن حقوق المهاجرين والأقليات. وتعتبر هذه القضية مؤشرًا على مناخ سياسي متوتر تشهده البلاد.
وأُجلّت أولى جلسات محاكمة مصباح رسميًا، بناءً على طلب هيئة الدفاع التي تشير إلى تجاوز المدة القانونية المحددة للحبس الاحتياطي. ويدعم هذا التأجيل حراكًا تضامنيًا واسعًا مع الناشطة، مع استمرار الجدل حول شرعية الإجراءات المتخذة ضدها.
تعدد التهم والاشكالات القانونية في قضية سعدية مصباح
تُوجّه لمصباح تهم خطيرة، بما في ذلك الإثراء غير المشروع الذي قد يعاقب بالسجن لمدة تصل إلى ست سنوات، بالإضافة إلى تهمة غسل الأموال التي تصل عقوبتها إلى عشر سنوات. وتستند تهمة غسل الأموال، وفقًا للاتهامات، إلى استغلال تسهيلات قُدمت للجمعية في إطار أنشطتها الاجتماعية.
من جهتها، طالبت المحامية منية العابد بالإفراج عن موكلتها بكفالة، مؤكدةً معاناتها من أمراض مزمنة وأنها لا تمثل أي تهديد. وأشار محامون آخرون في فريق الدفاع إلى أن فترة الحبس الاحتياطي قد تجاوزت الحد الأقصى المسموح به قانونيًا، وهو 14 شهرًا، مما يثير تساؤلات حول قانونية استمرار توقيفها.
حملات التضامن والاستنكار
تزامنًا مع أولى جلسات المحاكمة، نظمت فعاليات تضامنية متعددة للتعبير عن الدعم لمصباح، من قبل نشطاء حقوقيين ومنظمات المجتمع المدني. وتأتي هذه التحركات في خضم الجدل الدائر حول القيود المتزايدة على العمل الحقوقي، وخاصةً فيما يتعلق بقضايا الهجرة واللاجئين.
سياق أوسع: تضييق على الحريات وتأثير خطاب الكراهية
تأتي قضية سعدية مصباح في وقت تشهد فيه تونس زيادة في الضغوط على المنظمات الحقوقية، خاصةً تلك التي تعمل في مجال حقوق الإنسان والمهاجرين. يشير ذلك إلى تضييق متزايد على الحريات العامة في البلاد، بحسب مراقبين.
وسبق هذه الأحداث حملة انتقادات واتهامات استهدفت المنظمات الحقوقية والنشطاء، تزامنًا مع تصاعد خطاب سياسي يربط الهجرة بـ “التهديد الديموغرافي”، وهو الخطاب الذي أطلقه الرئيس قيس سعيد في عام 2023. هذا الخطاب ساهم في خلق مناخ من عدم الثقة والعداء تجاه المهاجرين والمنظمات التي تقدم لهم المساعدة.
وتشكل تونس نقطة عبور رئيسية للمهاجرين الأفارقة الذين يسعون للوصول إلى أوروبا، مما يجعلها في صلب هذه القضية المعقدة. هذا الواقع يضع البلاد أمام تحديات سياسية وأمنية وإنسانية كبيرة، ويؤثر بشكل مباشر على عمل المنظمات الحقوقية والإنسانية.
الخلفية السياسية وتداعيات 25 يوليو
يأتي هذا الملف أيضًا في ظل مناخ سياسي متوتر تشهده تونس منذ 25 يوليو 2021، عندما اتخذ الرئيس قيس سعيد “تدابير استثنائية” ومنح نفسه صلاحيات تنفيذية وتشريعية واسعة. وقد أثارت هذه الإجراءات انتقادات واسعة من المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، التي تتهم السلطة بالتراجع عن الديمقراطية وقمع الحريات.
وبحسب تقارير إعلامية وحقوقية، تشهد تونس ملاحقات قضائية متزايدة بحق العاملين في المجال الإنساني، على خلفية اتهامات تتعلق بتقديم المساعدة للمهاجرين غير النظاميين. وهذا الأمر يثير مخاوف بشأن مستقبل العمل الحقوقي والإنساني في البلاد.
من المتوقع أن تستمر المداولات القانونية في قضية سعدية مصباح في الأشهر القادمة، مع احتمال تقديم المزيد من الأدلة والشهادات من قبل هيئة الدفاع والادعاء. كما يتوقع مراقبون أن تستمر الضغوط على المنظمات الحقوقية في تونس، ما لم يتم اتخاذ خطوات ملموسة لضمان احترام الحريات العامة وحماية العمل الحقوقي. تبقى القضية رمزًا للتوترات السياسية والحقوقية التي تشهدها تونس، وستظل محل متابعة دقيقة من قبل المنظمات الدولية والمحلية.













