بعد أن اختفى لأسابيع خلف وهج الشمس، عاد المذنب القادم من خارج المجموعة الشمسية 3آي/أطلس للظهور مجدداً في سمائنا، حاملاً معه مفاجأة علمية: هالة خضراء خافتة تحيط برأسه. هذه الظاهرة، التي التقطها تلسكوب “جيمني نورث” في هاواي، تثير اهتمام العلماء وتوفر رؤى جديدة حول تكوين هذه الأجرام بين النجمية، وتحديداً المذنبات.
اكتُشف المذنب 3آي/أطلس في عام 2019، وهو ثالث جرم مؤكد من أصل بين-نجمي يتم رصده داخل النظام الشمسي. يمثل هذا المذنب فرصة فريدة لدراسة المواد التي تشكلت منها الكواكب حول نجوم أخرى، حيث أن هذه الأجرام تحمل في طياتها معلومات قيمة عن البيئات الكيميائية والفيزيائية خارج مجموعتنا الشمسية.
ظهور الهالة الخضراء: ما الذي يعنيه؟
اللقطات الجديدة للمذنب ليست مجرد صور جميلة، بل هي بيانات علمية مهمة. أظهرت الصور أن الهالة الخضراء ليست نتيجة تلاعب بالألوان، بل هي انبعاث ضوئي طبيعي ناتج عن تفاعل غازات معينة مع أشعة الشمس.
وفقًا لبيان صادر عن المرصد، فإن هذا الوهج الأخضر الخافت يعود إلى غازات في الهالة الغازية للمذنب، تتصاعد وتبخر بفعل التسخين الشمسي. أهم هذه الغازات هو الكربون ثنائي الذرة، الذي يشع بقوة في أطوال موجية خضراء، مما يفسر اللون المميز الذي يظهر في الصور.
تغير لون المذنب: دليل على النشاط المتزايد
المثير للاهتمام أن رصدات سابقة للمذنب 3آي/أطلس أظهرت ميلاً نحو اللون الأحمر. هذا التغير في اللون يشير إلى أن “مزاج” المذنب اللوني يتأثر بنشاط الغازات والغبار المتصاعد منه، والذي يزداد مع اقترابه من الشمس ثم يقل مع ابتعاده عنها.
يعكس هذا التغير في اللون العمليات الفيزيائية والكيميائية التي تحدث على سطح المذنب، حيث تتفكك المواد المتجمدة وتتحرر الغازات والغبار، مما يؤدي إلى تكوين الهالة والذيل المميزين.
أهمية دراسة الأجرام بين النجمية
تكمن أهمية دراسة المذنبات والأجرام القادمة من خارج النظام الشمسي في أنها تقدم عينات طبيعية من مواد البناء التي تشكل الكواكب حول نجوم أخرى. هذه المواد قد تكون مختلفة تمامًا عن تلك الموجودة في مجموعتنا الشمسية، مما يوفر لنا فرصة لفهم التنوع الهائل في الكواكب والأنظمة الكوكبية في الكون.
بالإضافة إلى ذلك، تساعد دراسة هذه الأجرام على فهم العمليات التي أدت إلى تكوين مجموعتنا الشمسية نفسها، حيث أن المذنبات تعتبر بقايا من المادة الأولية التي تشكلت منها الكواكب.
يقول العلماء أن هذه الرصدات تمثل فرصة لا تعوض لدراسة هذه الأجرام، خاصة وأن إرسال بعثات فضائية للتحقيق فيها بشكل مباشر يمثل تحديًا كبيرًا بسبب المسافات الشاسعة.
الخطوات التالية والمستقبل
سيواصل فريق “جيمني نورث” رصد المذنب 3آي/أطلس خلال الأشهر القادمة، بهدف جمع المزيد من البيانات حول تركيبه الكيميائي وسلوكه الديناميكي. من المتوقع أن تتوفر المزيد من الصور والتحليلات في الأسابيع القليلة المقبلة، مما قد يكشف عن تفاصيل جديدة حول هذا الزائر الغريب.
بالتوازي مع ذلك، ستعمل فرق علمية أخرى حول العالم على تحليل البيانات المتاحة ومقارنتها مع بيانات المذنبات الأخرى، بهدف بناء نموذج شامل لتكوين وتطور هذه الأجرام. يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت المذنبات بين النجمية تحمل في طياتها أدلة على وجود حياة خارج الأرض، وهو سؤال يثير فضول العلماء والجمهور على حد سواء.
من المهم متابعة التطورات في هذا المجال، حيث أن كل رصد جديد يقربنا خطوة من فهم أعمق لأصول الكون ومكاننا فيه. الرصد المستمر لهذه الأجرام السماوية سيوفر بيانات قيمة تساعد في تطوير نظريات جديدة حول تكوين الأنظمة الكوكبية وتوزيع المواد في الكون، بالإضافة إلى دراسة الظواهر الفلكية المرتبطة بها.













