أسفرت الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة عن كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث تجاوز عدد الشهداء والمفقودين 75 ألفًا، وأُصيب أكثر من 125 ألف شخص. وقد أدت هذه الحرب إلى دمار هائل في البنية التحتية وتفاقم الأوضاع المعيشية، مما يثير تساؤلات حول مستقبل القطاع وكيفية التعامل مع الصدمات النفسية والاجتماعية العميقة التي خلفتها. هذه الأزمة تتطلب دراسة متعمقة حول أفضل السبل لـ علاج الصدمات التي يعاني منها سكان غزة.
وتواجه غزة تحديات جمة، بما في ذلك التجويع المفتعل، ونزوح الملايين، وانهيار الأنظمة الأساسية كالرعاية الصحية والتعليم والكهرباء والمياه. وتشير التقارير إلى أن حوالي 80% من المساكن والأسواق والمستشفيات والمدارس تضررت بشكل كبير أو دمرت بالكامل. وقد أدت هذه الظروف القاسية إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وتزيد من حاجة السكان إلى الدعم العاجل والمستمر.
أزمة نفسية واجتماعية عميقة تتطلب علاج الصدمات
مع تراجع وتيرة القتال بعد اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر 2025، يبدأ سكان غزة في العودة إلى ديارهم المدمرة، ليواجهوا واقعًا مأساويًا وأحلامًا محطمة. وبدلاً من السلام، يجدون أنفسهم أمام مهمة شاقة في إعادة بناء حياتهم وسط الأنقاض والدمار. وتصف تقارير إعلامية الحالة النفسية للسكان بأنها “أرواح مهشمة” تكافح من أجل البقاء في ظل ظروف لا تزال قاسية.
يثير هذا الوضع تساؤلات حول كيفية تقديم الدعم النفسي والاجتماعي اللازم للضحايا، وكيفية مساعدتهم على التعافي من الصدمات العميقة التي تعرضوا لها. فقد يعاني الكثيرون من اضطرابات ما بعد الصدمة، والاكتئاب، والقلق، واليأس، وغيرها من المشاكل النفسية التي تتطلب تدخلًا متخصصًا.
التحديات التي تواجه المختصين في الصحة النفسية
تواجه جهود تقديم علاج الصدمات في غزة العديد من التحديات، بما في ذلك نقص الموارد، وانهيار البنية التحتية الصحية، وصعوبة الوصول إلى المناطق المتضررة. بالإضافة إلى ذلك، فإن العدد الكبير من الضحايا يتجاوز قدرة المختصين المتاحين على الاستجابة. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، هناك حاجة ماسة لزيادة عدد الأطباء النفسيين والأخصائيين الاجتماعيين والمدربين على تقديم الدعم النفسي.
نظرة نقدية على العلوم الاجتماعية الغربية
تثير هذه الأزمة أيضًا تساؤلات أعمق حول مدى فعالية المناهج النفسية الغربية في التعامل مع الصدمات التي تحدث في سياقات ثقافية واجتماعية مختلفة. ويرى بعض الباحثين أن هذه المناهج قد تكون مبنية على افتراضات خاطئة حول طبيعة الإنسان والمجتمع، وأنها قد لا تأخذ في الاعتبار العوامل الروحية والدينية التي تلعب دورًا هامًا في حياة الكثير من الناس.
ويشير المعلقون إلى أن “علم النفس” الغربي قد يكون متأثرًا بالمشروع الإمبريالي الغربي، وأنه قد يهدف إلى تبرير أو إخفاء آثاره السلبية. ويرون أن هناك حاجة إلى تطوير مناهج نفسية جديدة تأخذ في الاعتبار السياقات الثقافية والاجتماعية المختلفة، وأنها ترتكز على قيم إنسانية عالمية.
التعامل مع الصدمات: الحاجة إلى مقاربة شاملة
يتطلب التعامل مع علاج الصدمات في غزة مقاربة شاملة ومتكاملة تأخذ في الاعتبار جميع جوانب الأزمة الإنسانية. ويشمل ذلك توفير الدعم النفسي والاجتماعي، وإعادة بناء البنية التحتية، وتوفير فرص العمل، وتحسين الأوضاع المعيشية. بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك حاجة إلى تعزيز الصمود النفسي والاجتماعي لدى السكان، وتشجيعهم على المشاركة في عملية إعادة البناء.
من المهم أيضًا أن يتم تقديم الدعم النفسي والاجتماعي بطريقة تراعي الثقافة والقيم المحلية. ويرى المختصون أن استخدام الأساليب التقليدية للعلاج النفسي، مثل العلاج الجماعي والديني، قد يكون فعالًا في مساعدة السكان على التغلب على صدماتهم. كما يشيرون إلى أهمية إشراك المجتمع المحلي في عملية تقديم الدعم، وتوفير التدريب اللازم للقيادات المحلية لتمكينهم من تقديم المساعدة اللازمة.
وتضاف إلى ذلك، الحاجة إلى معالجة الأثار الجسدية للصدمات، حيث أن العديد من الضحايا يعانون من إصابات جسدية مزمنة تتطلب رعاية طبية متخصصة. وعليه، يجب أن تشمل خطط الاستجابة العلاج النفسي توفير الخدمات الصحية الشاملة، بما في ذلك العلاج الطبيعي وإعادة التأهيل.
في الختام، تظل الأزمة الإنسانية في غزة قائمة وتحتاج إلى استجابة دولية عاجلة ومستمرة. ويتطلب التعافي من الصدمات عملية طويلة الأمد تتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف المعنية. ومن المتوقع أن تستمر الجهود الدولية في تقديم المساعدات الإنسانية والمالية لغزة، وأن يتم التركيز على إعادة بناء البنية التحتية وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للسكان. وسيبقى التحدي الأكبر هو تحقيق السلام المستدام الذي يضمن حقوق وكرامة جميع الفلسطينيين.













