أمستردام – مع عرض فيلم “المنكوبون” (The Shipwrecked) للمخرج دييغو غوتيريز في مهرجان إدفا الدولي للأفلام الوثائقية، تثار تساؤلات حول طريقة تصوير المجتمعات المحلية في الأفلام الوثائقية، سواءً كانت عربية أو عالمية، وكيف يعكس المخرجون بيئاتهم وتجاربهم. الفيلم الذي أثار نقاشات واسعة حول الهوية والانتماء، يقدم رؤية فريدة للعالم من خلال عيون مخرج قضى سنوات طويلة بعيدًا عن وطنه الأم، المكسيك.
يستكشف الفيلم، الذي حظي بعرضه الأول عالميًا في المهرجان، موضوعات معقدة تتعلق بالهوية، والمنفى، والبحث عن المعنى في عالم مضطرب. يسلط الضوء على حياة أشخاص عاديين في القرى والمناطق النائية في المكسيك، وبأسلوب يختلف عن النظرة النمطية للأفلام الوثائقية التي غالبًا ما تركز على الجوانب السلبية مثل الفقر والعنف. وبالتالي، يدعو الفيلم إلى إعادة التفكير في مفهوم الفيلم الوثائقي وكيف يمكن أن يكون أداة لإنهاء الاستعمار السردي.
“المنكوبون” وتصوير المجتمعات المحلية في الأفلام الوثائقية
يعود غوتيريز، بعد غياب دام ثلاثين عامًا، إلى المكسيك ليس كسائح، بل كباحث عن إجابات لأسئلة ظلت تؤرقه طوال سنوات. هل يوفر الاستقرار والعيش في بلد آمن حياة أفضل حقًا؟ وهل الهروب من التحديات يعني الهروب من الذات؟ هذه الأسئلة الوجودية هي محور رحلته السينمائية الفلسفية.
يكشف الفيلم عن التناقضات العميقة في المجتمع المكسيكي، ويطرح سؤالاً حول العلاقة بين الفرد والبيئة، وبين الماضي والمستقبل. يركز غوتيريز على أصوات مهمشة، مثل الفلاحين والعلماء والفنانين، الذين يمثلون جوانب مختلفة من الهوية المكسيكية.
الفيلم كمحاولة لإنهاء الاستعمار السردي
يتحدى “المنكوبون” الروايات الاستعمارية السائدة عن المكسيك، ويقدم صورة أكثر تعقيدًا وواقعية للبلاد. لا يكتفي الفيلم بتوثيق المعاناة، بل يسلط الضوء على المقاومة والإبداع والأمل لدى الأفراد والمجتمعات.
من خلال تصويره الدقيق، يظهر غوتيريز أن المكسيك ليست مجرد بلد يعاني من الفقر والعنف، بل هي أيضًا مكان يتمتع بجمال طبيعي وثقافة غنية وحكمة شعبية عميقة. يركز الفيلم على إنسانية الشخصيات، ويمنحهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم بكلماتهم الخاصة.
دور مهرجان إدفا في إعطاء صوت للجنوب العالمي
يأتي عرض “المنكوبون” في سياق تركيز مهرجان إدفا هذا العام على موضوع “إنهاء الاستعمار” وإعطاء صوت للجنوب العالمي. يسعى المهرجان إلى دعم الأفلام التي تتحدى القوالب النمطية، وتعكس التجارب المتنوعة للشعوب المهمشة.
ويتضمن المهرجان مجموعة واسعة من الأفلام الوثائقية التي تتناول قضايا مثل الهجرة، والعدالة الاجتماعية، وحماية البيئة، وحرية التعبير. ويهدف المهرجان إلى تشجيع الحوار والتفاهم بين الثقافات المختلفة.
مقارنة بين تصوير المجتمعات في الأفلام المكسيكية والعربية
أثار الفيلم نقاشًا حول أوجه التشابه والاختلاف في طريقة تصوير المجتمعات المحلية في الأفلام المكسيكية والعربية. تساءل البعض عن سبب ميل الأفلام العربية المشاركة في المهرجانات السينمائية إلى التركيز على الجوانب السلبية في مجتمعاتها، مثل الصراعات والفقر، بينما يبدو الفيلم المكسيكي أكثر توازنًا في عرضه. يرى البعض أن هذا الاختلاف يعود إلى اختلاف السياقات التاريخية والاجتماعية والسياسية التي تنتج فيها هذه الأفلام.
قد يكون المخرجون العرب، الذين غالبًا ما يكونون من المثقفين والناشطين، أكثر اهتمامًا بتسليط الضوء على القضايا الملحة التي تواجه مجتمعاتهم، والدعوة إلى التغيير. بينما قد يركز المخرجون المكسيكيون، الذين قضوا سنوات طويلة في الخارج، على استكشاف هويتهم الثقافية والبحث عن المعنى في عودتهم إلى الوطن. ومع ذلك، يجب التأكيد على أن هذه مجرد تعميمات، وأن هناك تنوعًا كبيرًا في الأساليب والاتجاهات في كل من السينما المكسيكية والعربية.
الخطوات التالية لمهرجان إدفا
من المتوقع أن يستمر مهرجان إدفا في جذب انتباه الجمهور والنقاد إلى الأفلام الوثائقية التي تتناول قضايا مهمة وتساهم في إثراء المشهد السينمائي العالمي. سيستمر المهرجان في دعم المخرجين المستقلين، وتشجيعهم على إنتاج أفلام جريئة ومبتكرة. فيما يتعلق بفيلم “المنكوبون”، من المنتظر أن يحصد المزيد من الجوائز والتقديرات، وأن يلهم المزيد من المخرجين لتبني أساليب جديدة في تصوير المجتمعات المحلية.
المشهد السينمائي الوثائقي يتطور باستمرار. وهو ما يجب مراقبته في الأشهر القلية القادمة، وخاصة التوزيع المحتمل للفيلم حول العالم، ومناقشاته التي ستتبع ذلك. يجب أيضًا متابعة تأثير هذا الفيلم على إنتاج الأفلام الوثائقية في المكسيك والمنطقة العربية.













