في الفيزياء الحديثة، يسعى العلماء باستمرار لفهم القوى الأساسية التي تحكم الكون. تُعد النجوم النيوترونية مختبرات طبيعية فريدة من نوعها لاختبار حدود فهمنا الحالي للفيزياء، وبالأخص البحث عن قوى خامسة محتملة تتجاوز النموذج القياسي المعروف. تُظهر دراسة جديدة أن البحث عن هذه القوى الإضافية من خلال مراقبة تبريد النجوم النيوترونية لم يسفر عن نتائج قاطعة حتى الآن، لكنه يقدم قيودًا مهمة على النماذج النظرية.
نُشرت الدراسة في دورية “فيزيكال ريفيو ليترز” في 7 ديسمبر 2025، وهي نتاج تعاون بين باحثين من مُعجّل “ديزي” الألماني للجسيمات وجهات دولية أخرى. يركز البحث على إمكانية الكشف عن جسيمات جديدة خفيفة الوزن وقوى إضافية من خلال تحليل معدلات تبريد النجوم النيوترونية، وهي بقايا نجوم ضخمة انهارت تحت تأثير جاذبيتها الهائلة.
النجوم النيوترونية وقوة خامسة محتملة
النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات يصف أربع قوى أساسية: الجاذبية، والكهرومغناطيسية، والقوة النووية الشديدة، والقوة النووية الضعيفة. ومع ذلك، تشير العديد من النظريات إلى إمكانية وجود قوة خامسة، وهي قوة إضافية قصيرة المدى تحملها جسيمات لم يتم اكتشافها بعد. هذه الجسيمات، إذا وجدت، قد تتفاعل بشكل مختلف مع المادة مقارنة بالجسيمات المعروفة.
تتميز النجوم النيوترونية بكثافة هائلة، حيث تضغط المادة إلى حالة لا يمكن تكرارها في المختبرات الأرضية. في هذه الظروف القاسية، قد تتشكل جسيمات جديدة وتتفاعل بطرق فريدة. الفكرة الأساسية هي أن هذه الجسيمات الجديدة قد تهرب من النجم النيوتروني حاملةً معها الطاقة، مما يؤدي إلى تبريد أسرع من المتوقع.
كيف يمكن للنجوم النيوترونية أن تكشف عن قوى جديدة؟
يقوم الباحثون بتحليل منحنيات تبريد النجوم النيوترونية، وهي الرسوم البيانية التي توضح كيف تتغير درجة حرارة النجم بمرور الوقت. إذا كان هناك تفاعل مع جسيمات جديدة، فسيؤدي ذلك إلى انحراف في منحنى التبريد عن التوقعات النظرية القائمة على النموذج القياسي. من خلال مقارنة البيانات الرصدية مع النماذج النظرية، يمكن للعلماء تحديد ما إذا كانت هناك أدلة على وجود قوة خامسة.
قام الفريق بمقارنة البيانات الرصدية لنجوم نيوترونية قريبة ومعزولة مع نماذج نظرية تتضمن جسيمات جديدة خفيفة الوزن. ومع ذلك، لم يجدوا أي دليل قاطع على فقدان طاقة إضافي يتجاوز آليات التبريد المعروفة.
نتائج الدراسة والقيود
على الرغم من عدم وجود اكتشاف إيجابي، فإن الدراسة تقدم قيودًا مهمة على خصائص القوة الخامسة المحتملة. تشير النتائج إلى أن الجسيمات الجديدة، إذا كانت موجودة، يجب أن تتفاعل بشكل أضعف مما كان متوقعًا، أو أن كتلتها أكبر من النطاق الذي تم فحصه في هذه الدراسة. هذا يقلل من المساحة المتاحة للنماذج النظرية التي تتنبأ بوجود قوة خامسة قوية.
ومع ذلك، يقر الباحثون بأن هناك العديد من أوجه عدم اليقين في فهمنا لفيزياء باطن النجوم النيوترونية. تعتمد دقة النماذج النظرية على معرفتنا بتركيب المادة في قلب النجم النيوتروني، وهي معلومات لا تزال غير كاملة. بالإضافة إلى ذلك، قد تكون هناك آليات تبريد أخرى لم يتم أخذها في الاعتبار.
النجوم النيوترونية تظل مختبرات واعدة للبحث عن فيزياء جديدة، لكن هذه الدراسة تسلط الضوء على التحديات المرتبطة بالكشف عن قوى ضعيفة في بيئات معقدة. تعتبر دراسة الجاذبية والجسيمات الأولية من المجالات المرتبطة بهذا البحث.
الخطوة التالية في هذا المجال هي تحسين الرصدات وتطوير نماذج نظرية أكثر دقة. من المتوقع أن توفر التلسكوبات الجديدة والمشاريع البحثية المستقبلية بيانات أكثر تفصيلاً حول النجوم النيوترونية، مما قد يساعد في الكشف عن أدلة على وجود قوة خامسة أو فهم أفضل للعمليات الفيزيائية التي تحدث داخل هذه الأجسام الغامضة. من المهم مراقبة التطورات في مجال فيزياء الجسيمات وعلم الفلك لمتابعة هذا البحث.













