مثّلت زيارة فيكتور أوربان إلى واشنطن أكثر من مجرد لقاء عادي، إذ وصلت أهمية الزيارة إلى حد أنها كانت محطة حاسمة لرئيس الوزراء المجري قبل الانتخابات المرتقبة في أبريل/نيسان. ووصل أوربان برفقة وفد مكون من 180 شخصًا، معتمدًا على علاقته الوثيقة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتحقيق هدفين أساسيين: الحصول على إعفاء لشراء النفط الروسي وضمان دعم شعبي محلي.
ونجح أوربان في تحقيق كلا الهدفين. فقد وصفه ترامب بأنه صديق و”قائد عظيم”، ومنح المجر إعفاءً لمدة عام لمواصلة شراء النفط الروسي عبر خطي أنابيب دروغبا وساوث ستريم، رغم العقوبات الأمريكية الشاملة المفروضة على الطاقة الروسية الشهر الماضي.
وفي تصريح ليورونيوزبعد لقاء البيت الأبيض، علّق جاكوب كيركيغارد، الزميل البارز في بروغل، قائلاً: “سيكون أوربان سعيدًا جدًا بنتائج زيارته إلى واشنطن. على المدى القصير، يبدو أنه خرج منها بكل ما أراده أو يكاد”.
“هدية” لأوربان قبل “حملة انتخابية محمومة”
لطالما جادلت المجر بأنها بحاجة إلى الطاقة الروسية لأنها دولة غير ساحلية لا تملك منفذًا إلى البحر أو للموانئ الثانوية. ومع ذلك، كان الاتحاد الأوروبي يضغط على الدول الأعضاء لإيجاد طرق بديلة ومزودين بديلين للاستغناء عن الطاقة الروسية بشكل كامل لأنها تدرّ دخلاً لموسكو لمواصلة حربها ضد أوكرانيا.
وعلى الرغم من ذلك، أعفى الاتحاد الأوروبي المجر من التقيّد بالعقوبات النفطية منذ بدء الحرب في عام 2022، الأمر الذي لا يزال يسمح لبودابست باستيراد الطاقة الروسية. وتتماشى الإعفاءات التي منحتها الولايات المتحدة للمجر مع تلك التي سمح بها الاتحاد الأوروبي قبل ذلك.
وحثت واشنطن جميع الدول الأوروبية على التوقف عن شراء الطاقة الروسية، وأكد مسؤولون أمريكيون في حلف شمال الأطلسي قبل اجتماع واشنطن أن الهدف لم يتغير، وأنه سيتعين على المجر التوقف عن استيراد الطاقة الروسية على المدى المتوسط، مشيرين إلى وجود بدائل لموسكو في الإمدادات.
ويرى البعض أن الإعفاء الذي منحه ترامب للمجر قد يكون لأسباب سياسية أكثر من كونه حلًا لمشكلة فعلية في الإمدادات، لا سيما وأن الزعيمين متقاربان في وجهات النظر على المستوى السياسي.
وتستعد بودابيست لإجراء انتخابات برلمانية في أبريل المقبل، حيث سيواجه رئيس الوزراء فيكتور أوربان منافسًا شابّا من التيار المحافظ، وهو بيتر ماغيار، الذي يقود حملة انتخابية تنتقد سجل الحكومة الاقتصادي المتواضع وأزمة غلاء المعيشة.
وفي تعليق على هذا التطور، قال كيركيغارد: “ترامب يمنح أوربان طوق نجاة سياسي واقتصادي قبل الاستحقاق البرلماني. ألا وهو الإعفاء لمدة عام واحد فقط مع بدء الحملة الانتخابية، وسيتمكن أوربان من الترويج لعلاقته الوثيقة مع ترامب وربما تفادي المزيد من ارتفاع أسعار الطاقة، مما قد يخفف ضغوط التضخم على المدى القريب”.
ويُذكر أن رئيس الوزراء المجري كان خلال الحملة الانتخابية الأمريكية الزعيم الأوروبي الوحيد الذي دعم ترامب علنًا، وكان أول من هنأه على فوزه في نوفمبر من العام الماضي. ورد الرئيس الأمريكي بالمثل، واصفًا أوربان بأنه “صديق جيد، ورجل قوي”.
وتتوافق أجندتا الزعيمين في عدة مجالات، فقد جعلا الهجرة محورًا رئيسيًا لسياساتهما الداخلية، وانتقدا ما يسميانه “أيديولوجية النوع الاجتماعي” والسياسات التقدمية المعروفة بـ”الاستيقاظ” أو “woke”.
“التعويضات المجرية ساعدت في إقناع ترامب”
في البيت الأبيض، أعلن رئيس الوزراء فيكتور أوربان أن بلاده ستشتري من الولايات المتحدة غازًا طبيعيًا مسالًا بقيمة 600 مليون دولار أمريكي ووقودًا نوويًا لمحطة باكس النووية.
كما وقّعت المجر إعلان نوايا لشراء مفاعلات نووية صغيرة الحجم من الولايات المتحدة في المستقبل، ما يشير إلى أن الإعفاء الممنوح لبودابيست ليس مجّانيا، بل هو مرتبط بمصالح اقتصادية وسياسية.
وقال جاكوب كيركيغارد :”عندما تذهب إلى دونالد ترامب وتطلب شيئًا ما، عليك أن تجلب معك هدايا. هذه هي الطريقة التي يعمل بها الرئيس الأمريكي. إذا كنت تريد شيئًا مني، فعليك أن تدفع. هكذا ينظر الرئيس إلى العالم. وهو يطبق ذلك على أوروبا كلها، وعلى أوكرانيا، وحتى على أصدقائه مثل أوربان”.
أوربان يلوم على أوروبا أمام ترامب
في أكتوبر/تشرين الأول، أعلن ترامب عن عقد قمة بين الولايات المتحدة وروسيا في بودابست، لكنه ألغاها لاحقًا على أساس أن “مطالب موسكو المتطرفة” تعني أنها غير مستعدة لإجراء “محادثات سلام جادة”، والتي تقول واشنطن إنها تتطلب تنازلات من الجانبين.
وقد تم تأجيل الاجتماع إلى أجل غير مسمى، وليس من الواضح ما إذا كان سيعقد على الإطلاق.
وعند لقائه مع أوربان، لم يعطِ الرئيس ترامب أي إشارة إلى أن قمة بودابست ستُعقد قريبا على الرغم من الدعوات المتكررة من المجر التي تشير إلى أن الاجتماع ضروري وأن بودابيست مستعدة لاستضافته.
ومع ذلك، فقد هاجم أوربان الأوروبيين. وقال لترامب أمام الكاميرات إن “جهود السلام التي يبذلها رائعة” ولكن المشكلة لا تزال تكمن في القيادة الأوروبية. وقال إن “المشكلة تكمن في بروكسل والأوروبيين.. إنهم يفضلون مواصلة الحرب لأنهم لا يزالون يعتقدون أن أوكرانيا لا تزال قادرة على الفوز في ساحة المعركة.. لقد أساءوا قراءة المشهد.”
وفي أكتوبر/تشرين الأول، قال المجلس الأوروبي، الذي يستضيف قادة التكتل الـ27، “سنواصل المساهمة في جهود السلام، مع تحالف الراغبين (الذي ليست المجر طرفًا فيه) وبالتعاون مع الولايات المتحدة.. ونؤكد من جديد دعمنا لسلام شامل وعادل ودائم في أوكرانيا.”
وفي الاجتماع نفسه، قال القادة الأوروبيون بمن فيهم المستشار الألماني فريدريش ميرز والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن روسيا كثفت هجماتها على البنية التحتية المدنية والمدنيين الأوكرانيين “مما يدل على عدم وجود استعداد سياسي للانخراط في محادثات ذات مغزى” من أجل السلام.
موقف أوربان من الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا لم يتغير بعد الاجتماع
لم يتغير موقف رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان من الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا بعد اجتماع واشنطن الأخير.
ويُعد أوربان الزعيم الأوروبي الوحيد الذي “يعرقل مساعي أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي”، مجادلًا بأن كييف لا ينبغي أن تصبح عضوًا في التكتل، وأنه يجب الاكتفاء بـ”شراكة استراتيجية مع بروكسل”، على أساس أن الانضمام قد يضر بالاقتصاد الأوروبي ويدخل المنطقة في نزاعات.
وأوضحت أوكرانيا مرارًا أنها تتفهم عدم إمكانية الانضمام خلال الحرب، لكنها تؤكد على ضرورة المضي قدمًا في الإصلاحات والإجراءات الفنية المرتبطة بعملية الانضمام. وقالت المفوضية الأوروبية هذا الأسبوع إن البلاد “مستعدة تقنيًا” لفتح النقاش حول ملفات فرعية، وهي خطوة أساسية ضمن المفاوضات، والمتوقعة في أقرب وقت هذا الشهر.
وفي مقابلة مع قناة يورونيوز، أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن بلاده لن تقدم تنازلات مباشرة لأوربان، مشددًا على أن بودابست يجب أن تعترف بأن أوكرانيا “تحمي أوروبا كلها”، مضيفًا أن كييف لم تحصل على أي دعم من المجر حتى خلال هذه الحرب، بالرغم من كونها دولة أوروبية حرّة ذات سيادة.
ولا توجد حتى الآن مؤشرات على أن أوربان سيغير موقفه، فيما من المقرر أن يجتمع القادة الأوروبيون في بروكسل خلال اجتماع المجلس الأوروبي الأخير في ديسمبر/كانون الأول، حيث ستتصدّر جدولَ الأعمال مسألةُ التعويضات لأوكرانيا من خلال استخدام الأصول الروسية المجمّدة.












