وقالت لايما أندريكييني، عضو في المحكمة والمسؤولة عن إعداد التقرير، خلال تصريح صحافي قبيل صدور التقرير: “لم يسفر التدقيق عن أي دليل يُثبت تورط منظمة غير حكومية في انتهاك القيم الأوروبية”.
إلا أنها أوضحت أن نطاق التدقيق اقتصر على عينة عشوائية من 90 عقدًا فقط، ما يُرجّح أن بعض التجاوزات قد تكون مرت دون ملاحظتها، مضيفة: “لدينا مئات الآلاف من المنظمات غير الحكومية، وأي خرق للقيم الأوروبية قد ينعكس سلبًا على صورة الاتحاد الأوروبي”.
وأشارت إلى أن التشريعات الأوروبية لا تقيّد التواصل المباشر بين منظمات المجتمع المدني وصنّاع القرار، والملزمين قانونًا بالإفصاح عن تفاصيل كل لقاءاتهم مع جماعات الضغط، سواء كانت من المجتمع المدني أو من القطاع الخاص.
وأضافت: “من وجهة نظرنا، فإن القواعد الحالية تسمح للمنظمات غير الحكومية بممارسة الضغط. وإذا كان هناك رغبة في تغيير ذلك، فالمسؤولية تقع على عاتق المشرعين، لا المدققين”.
وجاء نشر نتائج التقرير في وقت أصبحت فيه مسألة تمويل المنظمات غير الحكومية قضية خلافية داخل أروقة بروكسل. فقد رفض البرلمان الأوروبي الأسبوع الماضي، بفارق صوت واحد، اقتراحًا لحجب الثقة عن الجهاز التنفيذي للتكتل على خلفية منح تمويل تشغيلي لمنظمات بيئية من خلال برنامج “لايف” LIFE البيئي.
ويزعم حزب الشعب الأوروبي المحافظ أن المفوضية حثّت منظمات غير حكومية على ممارسة الضغط على أعضاء البرلمان الأوروبي من أجل دعم سياسات معينة ضمن إطار “الاتفاق الأخضر”، الذي يُعد أحد المحاور السياسية الأساسية في ولاية أورسولا فون دير لاين الأولى بين عامي 2019 و2024.
غياب “الأدلة القاطعة”
لم ينجح حزب الشعب الأوروبي والكتل اليمينية المتحالفة معه في عرض أدلة ملموسة تدعم هذه المزاعم. وكان مفوض الميزانية، بيوتر سيرافين، قد أقرّ في كانون الثاني/يناير بأن بعض الإدارات داخل المفوضية ارتكبت “خطأ في التقدير” حين دخلت في اتفاقيات تلزم المنظمات غير الحكومية بممارسة الضغط على أعضاء البرلمان الأوروبي.
ولكن رغم التحركات السياسية لبعض الكتل في البرلمان وتحقيقات إعلامية استندت إلى نسخ مسربة من اتفاقيات التمويل، لم يُثبت وجود مثل هذه الالتزامات، والتي نفتها منظمات البيئة بشدة. ويبدو أن محكمة المدققين الأوروبية، ومقرها لوكسمبورغ، والتي راجعت حالتين فقط من منح التشغيل في إطار برنامج “لايف” (من دون ذكر أسماء المنظمات)، لم تعثر على أي دليل على ذلك أيضًا.
وقال توماش كوكوت، أحد المسؤولي الذين شاركوا في التدقيق، إن محاولات التأثير على السياسات ظهرت في خطط العمل التي يتوجب على المتقدّمين للتمويل إعدادها، لكنه أوضح أن المدققين لم يتمكنوا من التأكد مما إذا كانت المفوضية قد فرضت مثل هذه الشروط.
وأضاف: “كل ما يمكننا قوله هو أننا لم نعثر على دليل قاطع يدعم تلك الادعاءات”.
كما طُرحت تساؤلات حول سبب تركيز التدقيق على منظمات غير حكومية تنشط في ألمانيا وإسبانيا والسويد فقط، رغم أن الديوان أشار صراحة إلى أن أحد دوافع فتح التحقيق هو فضيحة 2022 المرتبطة بمسؤولين قطريين، حيث زُعم أن منظمات غير حكومية استُخدمت كغطاء لتمويل برلمانيين متورطين في الفساد، وهي قضية لم تُغلق فصولها بعد.
وأوضحت أندريكييني أن اختيار الدول الثلاث جاء بناءً على كونها سجلت “أعلى معدلات إنفاق”، لافتة إلى أن التمويل في هذه الحالات استند أساسًا إلى “الصندوق الاجتماعي الأوروبي+” وصندوق “اللجوء والهجرة والاندماج” باعتبارهما المصدرين الأساسيين.
رد المفوضية الأوروبية
قدّمت المحكمة ثلاث توصيات إلى المفوضية الأوروبية، التي أبدت موافقتها الجزئية على المقترح الأول المتعلق بتحديث التعريف القانوني للمنظمات غير الحكومية. ويهدف هذا التحديث إلى توضيح معايير “الاستقلال عن الحكومات”، إضافة إلى التمييز بين المنظمات التي تخدم المصلحة العامة وتلك التي تعمل لتحقيق مصالح أعضائها التجارية، على أن يُستكمل هذا التوضيح بحلول نهاية العام الجاري.
أما التوصية الثانية، والتي تتعلق بتحسين نظام الشفافية المالية الإلكتروني التابع للاتحاد الأوروبي وجعله أكثر قابلية للبحث والاستخدام بحلول عام 2029، فقد ردت المفوضية بأنها “ستدرس مدى إمكانية تنفيذ هذا المقترح”.
في المقابل، كانت التوصية الثالثة هي الوحيدة التي حظيت بموافقة كاملة من المفوضية، وتقضي بـ”النظر في إمكانية تطوير الأنظمة الحالية لتشمل آلية تحقق مبنية على تقييم المخاطر، للتأكد من التزام المستفيدين، بما فيهم المنظمات غير الحكومية، بقيم الاتحاد الأوروبي، والكشف عن أي خروقات محتملة”. ومن المقرر أن يتم تنفيذ هذه الخطوة بحلول عام 2028.
وفي ما يخص الجدل القائم حول ممارسة الضغط السياسي عبر المنظمات غير الحكومية، أشارت المفوضية إلى توجيهات أصدرتها في أيار/مايو الماضي، عقب وقت قصير من انطلاق عملية التدقيق، جاء فيها أن “اتفاقيات التمويل التي تتضمن أنشطة موجهة بشكل مباشر نحو مؤسسات الاتحاد الأوروبي أو بعض ممثليها، حتى وإن كانت قانونية من الناحية الشكلية، قد تنطوي على مخاطر تمس سمعة الاتحاد”.
وشددت المفوضية في هذا السياق على أن الموظفين المسؤولين عن تخصيص التمويل ملزمون بأخذ هذه التوجيهات في الحسبان عند توقيع الاتفاقيات.
من جانبه، اعتبر أرييل برونر، مدير منظمة “بيرد لايف أوروبا”، وهي جهة تتلقى منحًا تشغيلية ضمن برنامج “لايف”، أن نتائج التقرير تؤكد موقف منظمته، قائلًا: “هذا التقرير يثبت ما كنا نؤكده دومًا: المشكلة لا تكمن في المنظمات، بل في جماعات الضغط التي تتخفّى تحت عباءة منظمات المجتمع المدني”.
وأضاف: “ما كشفه التقرير هو تقصير من المفوضية والحكومات الوطنية في التدقيق خلف الجهات الفعلية التي تموّل بعض ما يُعرف بالمنظمات غير الحكومية، والتي لا تعبّر فعليًا عن المصلحة العامة”.