بعد ثوران مفاجئ لبركان “هايلي غوبي” في إقليم عفار بإثيوبيا، وهو بركان خامد منذ حوالي 12 ألف عام، تتزايد التساؤلات حول الأسباب المحتملة لهذا النشاط البركاني غير المعتاد. وبينما يرجح العلماء أن الثوران مرتبط بالنشاط التكتوني في المنطقة، أثير جدل حول ما إذا كان بناء سد النهضة الإثيوبي قد لعب دورًا، ولو بشكل غير مباشر، في إيقاظ هذا “الوحش النائم”.
وقع الثوران في الأيام الأخيرة من نوفمبر 2025، مما أثار قلقًا إقليميًا ودوليًا. ويقع بركان هايلي غوبي في منطقة نشطة زلزونيًا وبركانيًا، وهي جزء من الأخدود الأفريقي العظيم. وقد أدى الثوران إلى انبعاث كميات كبيرة من الرماد البركاني، وتسبب في بعض الهزات الأرضية الطفيفة في المناطق المحيطة.
هل سد النهضة مسؤول عن ثوران بركان هايلي غوبي؟
على الرغم من عدم وجود دليل علمي قاطع يربط بشكل مباشر بين بناء السدود وثوران البراكين، إلا أن بعض الباحثين يطرحون فرضيات حول تأثير محتمل. الدكتور كارم عبد المحسن، باحث في جامعتي ميشيغان وأريزونا، يرى أن تسرب كميات كبيرة من المياه من سد النهضة – تقدر بنحو 30 مليار متر مكعب خلال أربع سنوات وفقًا لدراسة نشرت في دورية “بي إن إيه إس” – قد يكون ساهم في إعادة تنشيط الفوالق المرتبطة بالأخدود الأفريقي، وبالتالي قد يكون أثر على بركان هايلي غوبي.
ويشرح الدكتور عبد المحسن أن المياه المتسربة تتحرك بسرعة في الصخور البركانية والفوالق العميقة، وقد تقطع مسافات طويلة. هذا النشاط، على الرغم من أنه قد لا يتسبب بشكل مباشر في ثوران بركاني، إلا أنه قد يزيد من الضغط على الفوالق ويساهم في إعادة تنشيطها.
العلاقة بين الزلازل والبراكين
العلاقة بين تنشيط الفوالق والزلازل والثوران البركاني هي علاقة مثبتة علميًا. فالزلازل يمكن أن تلعب دورًا في تسريع ثوران البراكين، خاصة عندما يكون البركان في حالة استعداد داخلي. وعندما تمتلئ غرفة الصهارة ويزداد الضغط، يمكن لزلزال متوسط القوة أن يفتح شقوقًا جديدة في القشرة الأرضية، مما يوفر طريقًا أسرع للصهارة للوصول إلى السطح.
وتعرضت منطقة عفار، حيث يقع بركان هايلي غوبي، لعدد من الزلازل والهزات الأرضية منذ بداية عام 2025، كان أقواها في الرابع من يناير بقوة 5.7 درجة على مقياس ريختر.
آراء متباينة حول تأثير سد النهضة
في المقابل، يرى خبراء آخرون أن العلاقة بين سد النهضة وثوران البركان غير واضحة. الدكتور بيتر بورسيل، خبير في شركة “بي آند آر” للاستشارات الجيولوجية، يقر بوجود تسرب للمياه من السد، ولكنه يشك في أن يكون لهذا التسرب تأثير كبير على بركان بعيد مثل هايلي غوبي.
وبالمثل، يميل الأستاذ فيديريكو ساني من جامعة دراسات فلورنسا إلى التقليل من تأثير سد النهضة، مشيرًا إلى أن الفالق الذي يقع عليه السد لا يرتبط بشكل مباشر بالفوالق الموجودة في منطقة البركان. ويؤكد أن أي تأثير محتمل للمياه المتسربة سيكون محدودًا في المناطق المحيطة بالسد.
ومع ذلك، يرى الدكتور عبد المحسن أن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لتقييم التأثير المحتمل للمياه المتسربة على نطاق أوسع، بما في ذلك منطقة بركان هايلي غوبي. ويشير إلى أن الصخور النفاذة في المنطقة تسمح للمياه بالانتشار لمسافات طويلة، مما يجعل من الممكن أن تصل إلى الفوالق المرتبطة بالبركان.
دعوة لمزيد من البحث
يؤكد الخبراء على أهمية إجراء دراسات متعمقة لتقييم المخاطر المحتملة المرتبطة بالنشاط البركاني في منطقة عفار. ويجب أن تتضمن هذه الدراسات تحليلًا للبيانات الزلزالية والبركانية، بالإضافة إلى دراسة تأثير المياه المتسربة من سد النهضة على الفوالق والضغط في باطن الأرض.
وفي الوقت الحالي، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان سد النهضة قد لعب دورًا في ثوران بركان هايلي غوبي. ومع ذلك، فإن هذا الحدث يثير تساؤلات مهمة حول التفاعلات المعقدة بين الأنشطة البشرية والعمليات الطبيعية، ويؤكد على ضرورة المراقبة المستمرة والبحث العلمي في المناطق النشطة زلزونيًا وبركانيًا.
من المتوقع أن تقوم فرق بحثية متعددة الجنسيات بزيارة المنطقة في الأشهر القليلة القادمة لجمع البيانات وتحليلها. وستركز هذه الفرق على تحديد الأسباب الدقيقة للثوران، وتقييم المخاطر المحتملة للثورات المستقبلية، وتقديم توصيات للحد من هذه المخاطر. وستكون نتائج هذه الدراسات حاسمة في فهم التطورات الجيولوجية في منطقة الأخدود الأفريقي وتأثيرها على المجتمعات المحلية.













