دمشق- تسعى سوريا اليوم إلى استعادة دورها البارز في الساحة الإعلامية والفنية العربية، لا سيما في مجال الدراما التلفزيونية التي لطالما تميّز بها السوريون قبل اندلاع الحرب (2012–2024)، وحققوا من خلالها حضورًا لافتًا على الشاشات في المنطقة.
وفي هذا الإطار، أعلنت وزارة الإعلام السورية، أواخر يونيو/حزيران الماضي، توقيع مذكرة تفاهم مع شركة “المها الدولية” لإنشاء مدينة “بوابة دمشق”، التي ستكون أول مدينة متكاملة للإنتاج الإعلامي والسينمائي والسياحي في البلاد، باستثمار يُقدّر بـ1.5 مليار دولار، وعلى مساحة تقارب مليوني متر مربع في دمشق وريفها.
فرص عمل
وقال وزير الإعلام حمزة المصطفى، في كلمة له ضمن مراسم توقيع الاتفاقية، إن المدينة، الموزعة على 4 أقسام، ستشمل أستديوهات خارجية تحاكي الطراز العربي والإسلامي، وأخرى داخلية مزودة بأحدث تقنيات الإنتاج، إلى جانب مراكز تدريب وتشغيل ومنشآت سياحية وترفيهية.
وأشار المصطفى إلى أنه من المتوقع أن يوفر هذا المشروع أكثر من 13 ألف فرصة عمل، 4 آلاف فرصة مباشرة و9 آلاف فرصة أخرى موسمية، ما يسهم في خلق مسارات مهنية مستدامة للشباب السوريين.
وقال الوزير إن المشروع “يأتي في إطار التوجهات الحكومية لجذب الاستثمارات النوعية وتعزيز الهوية الثقافية لسوريا.” مشيرا إلى أن الإعلام السوري سيكون شريكا في التنمية، لا مجرد ناقل لها.
من جانبه، أوضح رئيس مجلس إدارة شركة المها محمد العنزي أن “بوابة دمشق” مشروع ثقافي وتنموي وليس مجرد استثمار عقاري أو سياحي، ويهدف إلى جعل سوريا مركزا إقليميا للإنتاج الإعلامي، ومنصة لتصدير صورتها الحضارية، عبر بنية تحتية متطورة يستغرق إنجازها من 5 إلى 7 سنوات، وبمشاركة شركات عالمية متخصصة.
الريادة الدرامية
وقال مروان الحسين، مدير اللجنة الوطنية للدراما في وزارة الإعلام، إن الهدف المتوخى تحقيقه من مشروع “بوابة دمشق” هو “إعادة التموضع الرائد والحقيقي لواحدة من أهم الصناعات في سوريا، وهي صناعة الدراما، وتسخير جميع الطاقات في سبيل تألق هذه الصناعة التي نتطلّع ونرجو وصولها إلى مصاف العالمية.”
واعتبر الحسين -في تصريح للجزيرة نت- أن سوريا غنية بتنوع ثقافي غزير وطاقات إبداعية متجددة، بالإضافة إلى بعد تاريخي؛ الأمر الذي يؤهلها لتكون رائدة عربيا حيث تزاحم الصفوف الأولى، بالإضافة إلى توفر طموح الريادة على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
وحول فرص العمل التي يمكن أن يوفرها هذا المشروع، أشار الحسين إلى أنه يمكن تقديرها بالنظر إلى الحجم الضخم للمشروع، معتبرا أن مشروع “بوابة دمشق” سيكون له دور استثنائي في استقطاب طواقم العمل المتنوعة للنهوض به سواء في مرحلة البناء أو في المراحل اللاحقة.
وأوضح الحسين أن “النظام البائد” قد عمل لسنوات على طمس الهوية الثقافية والفنية في سوريا، وربطها بنفسه بعيدا عن التاريخ الحضاري العريق للبلاد، وعليه يرى المسؤول الحكومي أن هذا المشروع سيفتح آفاق الإبداع أمام العاملين في المجال الدرامي (كتّاب، مخرجين، منتجين..)، إضافة إلى كونه عامل استقطاب للمنتجين الأجانب، وكل ذلك سيساهم في توفير فرص العمل.
التكامل
وعن دور المشروع في إعادة سوريا إلى موقعها الطبيعي كحاضنة للصناعة الدرامية والسينمائية، قال المسؤول “سوريا تملك تاريخا فنيا عريقا وحافلا بالإنجازات؛ فهي ملأى بطاقات إبداعية، وعقول ثقافية، وسواعد نشيطة لا تعرف الكلل، ولأن اكتمال هذا المشروع في بلد فيها كل مقومات نجاح هذا القطاّع يعتبر عامل جذب كبير لصنّاع الدراما والسينما في المنطقة، الأمر الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى عودة سوريا إلى تموضعها الإقليمي الطبيعي في هذه الصناعة.”
وشدّد الحسين على أن أهم عوامل نجاح أي عمل هو تكامل الأدوار ومرونة التنسيق بين الجهات الرسمية المعنية من لجان ومديريات ووزارات، ولكنه لفت إلى أن المشروع ما زال في طور “مذكرة التفاهم” التي تكتفي برسم الخطوط العريضة، وحين يُصار إلى العقد المُفصّل للبنود التنفيذية “حينها سيكون الجميع على طاولة واحدة، ليأخذ كل قطاع دوره الصحيح المناسب لتحقيق التكامل المُنتج والفعّال”، وفقا للحسين.
ويؤكد المسؤول أن تنفيذ خطة بناء مدينة بوابة دمشق سيبدأ في غضون 6 أشهر، وسيستغرق تنفيذ كامل العمليات الإنشائية من 3 إلى 5 سنوات.

بيئة مثالية
ويعتبر آندريه وانيس، مخرج منفذ لأعمال درامية سورية عديدة، أن مشروع بوابة دمشق يمثل فرصة كبيرة للعاملين في مجال الإنتاج البصري، فهو مشروع واعد ومتنوّع يعزّز جميع أنواع الإنتاج الإعلامي والفني.
ويشير وانيس، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن الفنيين والأكاديميين وكتّاب السيناريو والمخرجين السوريين سيجدون أخيرا مكانا يتوجهون إليه، كما هو الحال مع أقرانهم في الدول المجاورة لسوريا، وخاصة مصر “التي يجب أن نأخذ تجربتها بعين الاعتبار.”
ويرى وانيس أن هذا المشروع سيفتح آفاقا كثيرة للدراما السورية، من خلال تأمين بنى تحتية للإنتاج، والتي تفتقد سوريا للحد الأدنى منها، فتح الآفاق أمام كتاب النصوص الدرامية والسينمائية، ومدّهم بمخيلة نابعة من زيارة مواقع التصوير في قلب البوابة والتفاعل معها خلال مرحلة الكتابة، الحدّ من هجرة المبدعين والمستثمرين والفنيين في مجال الإنتاج الفني والإعلامي من سوريا.
ويأمل المخرج المنفذ أن تصبح سوريا، في المستقبل القريب، بيئة مثالية لتصوير أعمال درامية عربية يمكنها المنافسة في الأسواق العالمية.
ويقول وانيس في ختام حديثه: “إن الإنتاج الفني السوري هو صورتنا كسوريين أمام العالم، وكما تم إطلاق هوية بصرية جديدة لسوريا، من المؤكد سيكون هناك هوية بصرية جديدة للدراما السورية تنطلق اليوم مع هذا المشروع”.
وكان شهد الإنتاج الفني والإعلامي في سوريا خلال حكم نظام بشار الأسد المخلوع حالة من التراجع والركود بسبب التقييد الشديد، حيث خضع لرقابة أمنية صارمة حالت دون التعبير الحر أو النقد المباشر، كما استخدم النظام الفن والإعلام كأدوات دعائية لترويج الأيديولوجيا البعثية وتمجيد السلطة والجيش مما أدى إلى تفريغه من مضمونه الفني والإبداعي. وعانى الإنتاج الفني والإعلامي من ضعف شديد في التمويل وغياب البنية التحتية الحديثة ما أدى إلى تراجع كبير في جودته.