القدس المحتلة- قتل 5 جنود وأصيب 14 آخرون من كتيبة “نتساح يهودا” خلال عملية نفذتها المقاومة الفلسطينية في بيت حانون شمالي قطاع غزة، بحسب بيان للجيش الإسرائيلي اليوم الثلاثاء.
وتشير التحقيقات الأولية إلى أن الكمين، مساء أمس الاثنين، وقع أثناء تحرك كتيبتين لتطهير المنطقة، عندما مرت قوة راجلة من كتيبة 97 على طريق مفخخ، فانفجرت فيها عبوتان ناسفتان، وتبع ذلك إطلاق نار كثيف استهدف فرق الإخلاء.
تسلط هذه الحادثة التفجيرية الضوء على الكتيبة التي كانت تعرف سابقا باسم “نحال الحريديم”، والمكونة من جنود ذوي خلفيات دينية حريدية ودينية قومية، والتي تخوض للمرة الأولى قتالا فعليا في قطاع غزة بعد أن كانت خبرتها مركزة في الضفة الغربية ذات الطابع الأمني الأقل خطورة.
تركيبة الكتيبة
وتعود جذور “نتساح يهودا” إلى تجربة تأسيسية عام 1961 تحت مسمى “نحال الحريديم”، حين أقيمت نقطة في موشاف “عميوز” بمبادرة من الحاخام موشيه إرنستر، وبدعم من الحاخام حاييم مائير هاجر. وبعد فشلها، أعيد تشكيلها في مناطق أخرى، لكنها أغلقت في السبعينيات بناءً على توصية لجنة موشيه ديان.
وأُعيد إحياؤها بشكل جديد عام 1999 كوحدة صغيرة ضمن كتيبة 903، قبل أن تصبح في 2002 كتيبة مستقلة ضمن لواء كفير تحت اسم “نتساح يهودا”، وتعمل تحت إشراف مشترك بين الحاخامات ووزارة الحرب الإسرائيلية.
وتمحورت مهمتها حول استيعاب شبان حريديم تركوا الدراسة أو أرادوا الانخراط في الجيش دون المساس بنمط حياتهم الديني.
ورغم أن الكتيبة تهدف لدمج الحريديم في الجيش، واجهت منذ البداية رفضا حاخاميا شديدا، مما أدى إلى عزوفٍ عامّ في أوساط الحريديم عن الخدمة العسكرية، وتحول الكتيبة تدريجيًا إلى بؤرة جذب لأبناء التيار الديني القومي المتشدد، وشبان من حركة “حاباد” وآخرين من متطوعين أجانب.
في 2006، شكَّل غير الحريديم نحو 30% من قوام الكتيبة، وارتفعت نسبتهم إلى 60% عام 2012، مما أثار تساؤلات حول حقيقة تركيبة “نتساح يهودا”، وما إذا كانت لا تزال تمثل الإطار الحريدي الذي أُنشئت لأجله.
معيار الكفاءة
وشهدت الحرب الإسرائيلية الجارية على غزة أول مشاركة ميدانية واسعة للكتيبة في ساحة قتال كثيفة ومعقدة كقطاع غزة، حيث نفذت عمليات في منطقة بيت حانون، وشاركت بتدمير بنى تحتية عسكرية وكمائن للمقاتلين.
ولكن في المقابل، دفعت الكتيبة ثمنا باهظا بالقوات البشرية، حيث قتل ثلاثة من عناصرها في مايو/أيار الماضي، ثم خمسة آخرون في يوليو/تموز الجاري.
ويعيد الكمين الأحدث، أمس الاثنين، طرح تساؤلات حادة داخل المؤسسة العسكرية والسياسية في إسرائيل، أبرزها: هل نتساح يهودا مؤهلة لخوض حرب معقدة مثل حرب غزة؟ وهل تدفع الكتيبة ثمن تدريب غير كاف، وتجربة سابقة تقتصر على الضفة الغربية؟ وهل يمكن تحميل هذا الفشل لمجرد محدودية التأهيل، أم أن بنية الكتيبة وتركيبتها العقائدية والدينية تحدّ من كفاءتها العملياتية؟
ومن شأن هذه الخسائر، يقول مراسل صحيفة هآرتس للشؤون الدينية والمجتمع الحريدي، هارون رابينوفيتش، أن تؤجج النقاش السياسي والاجتماعي في إسرائيل حول مستقبل تجنيد الحريديم.
وأوضح أن المؤيدين يرون في الكتيبة نموذجا قابلا للتطوير والدمج المتدرج، ويرون أن كمين بيت حانون يجب أن يدفع نحو تدريب أكثر احترافية. وفي المقابل، قد يستغل التيار الحريدي الرافض للتجنيد هذه الحادثة لتعزيز مخاوفه، مؤكدًا أن الحرب “ليست مكانًا لأبناء التوراة”.
وهكذا، يضيف رابينوفيتش “تتجاوز مأساة بيت حانون حدود الخسائر البشرية، لتغذي أزمة هوية وطنية حادة في إسرائيل بين الدولة العسكرية والدولة الدينية، وبين إكراه الاندماج وحرية المعتقد، في لحظة سياسية وأمنية معقدة يطغى عليها استمرار الحرب في غزة والانقسام الداخلي المتصاعد”.
وبالتوازي مع إعلان الجيش الخسائر البشرية التي تكبدتها “نتساح يهودا” في بيت حانون، لوَّح مسؤول كبير في حزب “ديغل هتوراة” بالاستقالة من الائتلاف الحكومي إذا لم يُطرح قانون إعفاء طلاب المدارس الدينية من التجنيد الإجباري بعد عودة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، من زيارته لواشنطن.
وأعربت مصادر في الأحزاب الحريدية عن غضبها من تأجيل رئيس لجنة الخارجية والأمن، يولي إدلشتاين، تسليم مسودة القانون، رغم وعوده اليومية منذ شهر، وفق صحيفة “معاريف”.
وفي الكنيست، شددت الأحزاب الحريدية “يهودات هتوراة” و”شاس” إجراءات المقاطعة لتشريعات الحكومة، ورفضت التصويت مع الائتلاف احتجاجا على تأخر القانون، ما اضطر الحكومة لسحب مشاريع قوانين من جدول التصويت.
اندماج محدود
وتأتي هذه الأزمة في ظل بدء الجيش الإسرائيلي في إرسال أوامر تجنيد لـ54 ألف طالب مدرسة دينية، وسط تحذيرات من “اختناق” في السجون العسكرية حال بدء اعتقال المتهربين.
ورغم استمرار العمل بقانون الإعفاء من الخدمة العسكرية، لا يزال اندماج الحريديم في جيش الدفاع الإسرائيلي محدودا، ففي 2024، أعلن المتحدث باسم الجيش انضمام 338 مجندا جديدا من القطاع الحريدي للخدمة الإلزامية، بينهم 211 في مسارات قتالية و127 في أدوار مساندة.
وبحسب مراسل الشؤون العسكرية في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، يوآف زيتون، يبذل الجيش جهودًا لتوسيع مسارات الخدمة المخصصة للحريديم، مع العمل على تكييفها بما يتناسب مع خصوصياتهم وظروف حياتهم.
تأتي هذه الخطوة، يقول زيتون “في إطار مساعٍ لتعزيز انخراطهم في الخدمة العسكرية”، سواء في الأدوار القتالية أو المساندة. وفي هذا السياق، أرسل الجيش نحو 7 آلاف أمر تجنيد لضباط صف من القطاع الحريدي، تمهيدا لدمجهم في دورات التجنيد المقبلة.
وأوضح المراسل العسكري أنه ورغم النقاش السياسي المستمر بشأن قانون الإعفاء، تؤكد المؤسسة العسكرية أنها ماضية في جهودها لدمج الحريديم، باعتبار “جيش الدفاع الإسرائيلي جيش الشعب” الذي يسعى لمشاركة كل فئات المجتمع في خدمة أمنه واحتياجاته العملياتية.