Close Menu
    رائج الآن

    الصين تمول مشروع قطارات فائقة السرعة بنيجيريا بـ60 مليار دولار

    الثلاثاء 19 أغسطس 12:40 ص

    ضغوط متزايدة على نتنياهو وتساؤلات حول مستقبل أوكرانيا

    الثلاثاء 19 أغسطس 12:39 ص

    مرشحان يمينيان يتأهلان للجولة الثانية من رئاسيات بوليفيا

    الثلاثاء 19 أغسطس 12:37 ص
    فيسبوك X (Twitter) الانستغرام
    عاجل الآن
    • الصين تمول مشروع قطارات فائقة السرعة بنيجيريا بـ60 مليار دولار
    • ضغوط متزايدة على نتنياهو وتساؤلات حول مستقبل أوكرانيا
    • مرشحان يمينيان يتأهلان للجولة الثانية من رئاسيات بوليفيا
    • 400 شاحنة يومياً.. ارتفاع التبادل التجاري بين سورية والأردن
    • بتهمة انتهاك القانون.. أمريكا تلغي 6000 تأشيرة طلابية
    • اغتصاب وعنف وتصوير نساء خلسةً.. الادعاء النرويجي يوجّه تهم خطيرة لابن ولية العهد
    • مرابط الخيول بشواطئ جدة.. وجهة سياحية للرياضة والترفيه
    • ضبط مطلوب بحوزته مواد مخدرة في «أسواق القرين»
    • من نحن
    • سياسة الخصوصية
    • اعلن معنا
    • اتصل بنا
    وداي السعوديةوداي السعودية
    header
    • الرئيسية
    • اخر الاخبار
    • المناطق
      • الرياض
      • المدينة المنورة
      • المنطقة الشرقية
      • مكة المكرمة
      • الباحة
      • الجوف
      • القصيم
      • تبوك
      • جازان
      • حائل
      • عسير
      • نجران
    • العالم
    • سياسة
    • اقتصاد
      • بورصة
      • عقارات
      • طاقة
    • تكنولوجيا
    • رياضة
    • المزيد
      • ثقافة
      • صحة
      • علوم
      • فنون
      • منوعات
     اختر منطقتك Login
    وداي السعوديةوداي السعودية
    الرئيسية » تاريخ مختصر للانحطاط البشري.. حين يصبح المستوطن مؤرخًا
    سياسة

    تاريخ مختصر للانحطاط البشري.. حين يصبح المستوطن مؤرخًا

    فريق التحريربواسطة فريق التحريرالإثنين 18 أغسطس 11:38 م1 زيارة سياسة لا توجد تعليقات
    فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام بينتيريست البريد الإلكتروني

    في نقطة ما من تاريخ هذا العالم، ثمة ما يجمع بين ابتهال أبو السعد، القادمة من الشمال الأفريقي، والتي صرخت في وجه المدير التنفيذي لقطاع الذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت، مصطفى سليمان، وبين محمد الجزّاري، الذي وقف في وجه الحملة الصليبية في معركة “تل الجزر” مقاتلاً في جيش صلاح الدين الأيوبي عام 1177.

    في هذا العالم نفسه، ثمّة أيضاً ما يجمع بين دروع المقاتلين الصليبيين في معركة “تل الجزر”، وبين يوفال نوح هراري، الفيلسوف والمؤرخ الإسرائيلي والمنظر الأخلاقي لقطاع الذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت، والذي يقوده صديقه مصطفى سليمان.

    ما الذي يجمع أبو السعد والجزّاري في معسكر واحد؟ وما الذي يجمع الصليبيين وهرّاري في المعسكر المقابل؟ هذا ما سنحاول استكشافه.

    تاريخ مختصر للسفالة البشرية

    في قرية أبو شوشة الفلسطينية، الواقعة إلى الجنوب من مدينة الرملة، يستقرّ “مقام الشيخ الطليعة الجزّاري”، شاهداً على معركة تل الجزر، التي هُزم فيها جيش صلاح الدين الأيوبي، لكنها شكلت تحولاً في استراتيجية صلاح الدين العسكرية ليصل بعد 10 سنوات إلى النصر في معركة حطين.

    “الشيخ الطليعة”.. هكذا أطلق عليه أهالي القرية، وهو وصف معروف في تسمية المقامات التي ارتبطت بالجنود الذين قدموا مع صلاح الدين في تلك الجولة من القتال، كما يقول الباحث الفلسطيني خالد عودة الله.

    لقد رأى الفلاحون في أولئك المقاتلين طليعةَ انتصار صلاح الدين وتحرير القدس من الصليبيين، تماماً كما رأى كثيرون حول العالم في موقف ابتهال أبو السعد؛ موقفاً طليعيًّا في وجه الإبادة المسنودة بالذكاء الاصطناعي وهيمنة عمالقة التكنولوجيا.

    في 14 مايو/أيار 1948، ارتكب الجنود الإسرائيليون مجزرة مروّعة في قرية أبو شوشة، قبل أن يُهجِّروا مَن ظلّ حيّاً من فلاحيها. قبلها بسنتين، كان المستوطنون اليهود قد بنوا “كيبوتس جيزر” على أراضي أبو شوشة، نسبةً إلى الموقع الأثري “تل الجزر”. ولاحقاً في ثمانينيات القرن الماضي، أقاموا مستوطنة “كارميه يوسيف” على ما تبقى من أراضي القرية المهجرة.

    وعلى نافذة واحد من بيوت هذه المستوطنة، يقف يوفال نوح هراري، صاحب كتاب “العاقل.. تاريخ مختصر للنوع البشري”، غير مكترث بالتاريخ الممتد لمنطقة تل الجزر، حيث يجتمع المقاتل في جيش صلاح الدين مع ابتهال أبو السعد.

    يذهب هراري في أولى صفحات كتابه إلى كهف في جنوب فرنسا، ليلتقط صورةً لأثر يدٍ تركها أحدهم قبل 30 ألف سنة ليقول: “لقد كنتُ هنا”، كما يصف هراري ذلك في الهامش المرفق أسفل الصورة. لكنه، وللمفارقة، لم يرَ قبر “الشيخ الطليعة الجزاري” يقول له: “لقد كنت هنا”، أثناء تجوّله بضيوفه من كبار العاملين في قطاع التكنولوجيا في هذا الموقع الأثري!

    ديمقراطية المقابر

    ولد هراري عام 1976 في مستوطنة “كريات آتا” المقامة على أراضي مدينة حيفا شمال فلسطين المحتلة، وبدأ حياته المهنية كمصمم أسلحة في شركة “رافائيل” للصناعات العسكرية، قبل أن يُتم دراسته لنيل درجة الدكتوراه في التاريخ العسكري للحروب الصليبية، والتي خصص أطروحته فيها لدراسة نوعية دروع الصليبيين وتقنياتها الدفاعية المستخدمة خلال معاركهم في فلسطين، وذلك ضمن تخصصه الأوسع في دراسة التاريخ العسكري للشرق الأوسط في العصور الوسطى. لاحقاً، التحق بالكادر الأكاديمي لقسم التاريخ في “الجامعة العبرية”، ولا يزال يعمل محاضراً في الجامعة ذاتها.

    بدأ اسم هراري بالبروز في الأوساط الغربية على إثر قراءة أوباما وروكزبيرغ لكتابه وتوصيتهما به، حتى بدأت أبواب العالم الغربي تُفتح له، من شركات تقنية وعواصم سياسية ومنتديات اقتصادية وفكرية.

    يتخذ هراري شكل المثقف الذي يروق للعالم الغربي، فهو ليبرالي شاذ جنسيا، يبرر للدولة الحديثة سياسات القمع والرقابة كما يظهر بالأساس في موقفه من الإبادة، ومنشغل بالقضايا التي يراها الغرب كونية، كاحتمالية أن تفقد البشرية السيطرة على الذكاء الاصطناعي، وما تشكله هذه التقنية من خطر على الديمقراطية، فضلاً عن قلقه من القومية وفي قلبها اليمين، إذ يرى أنها فشلت في الإجابة عن أسئلة عالمية كبرى مثل التغير المناخي، كما يقول في مقابلة نشرتها معه صحيفة “لوموند” الفرنسية.

    إنّ طرح هراري المركزي في كتاب “العاقل.. تاريخ مختصر للنوع البشري”، هو أن الإنسان العاقل قد غزا العالم لقدرته على أن يروي قصصًا تلهم الناس للتعاون بأعداد كبيرة جدًا، أي لديه القدرة على بناء سردية ما.

    يتصدر هراري كبرى منصات العالم في الحديث حول التاريخ والفلسفة والمستقبل، ويوصف بأنه الأب الروحي لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي والنقد الليبرالي لهذه التقنية المهيمنة على العالم، وهو ما استطاع الوصول إليه من خلال شبكة العلاقات التي شكّلها مع عمالقة العاملين في قطاع التكنولوجيا، أمثال بيل غيتس ومارك زوكربيرغ وغيرهما.

    يقدّم هراري نتاجه الفكري للعالم من موقعه كإسرائيلي مُعتزّ بهويّته، محاولاً تقديم “إسرائيل” كموقعٍ لنشوء الأفكار الكونية الكبرى، مثل تصدّره لمناقشة الديمقراطية والمستقبل والبيئة.

    ففي الوقت الذي يباد فيه المجوَّعون في غزة بتقنيات الذكاء الاصطناعي الساعية لتحقيق أقصى قدرٍ ممكن من الفاعلية في القتل، بأقل كلفةٍ بشرية ومادية ممكنة، يتحدث هراري عن مستقبلٍ تستطيع فيه البشرية تعديل الخنازير وراثياً لتكون قادرة على إنتاج الأحماض الدهنية المفيدة من فئة “أوميغا-3” بدلاً من “أوميغا-6” السامة!

    وحين يضع هراري الذكاء الاصطناعي على طاولة النقد، فلا يضعه بوصفه أداة “إسرائيل” الأكثر تأثيراً في مذبحة القرن، ولا بوصفها أداة جرى تطبيعها مع القتل بما يهدّد مستقبل البشرية جمعاء، بل يركّز نقده في كونها مُهددة للديمقراطية، كما يُنظّر في مقالته على “الغارديان” البريطانية، التي حملت عنوان “لا تستدعي أبدًا قوة لا يمكنك السيطرة عليها.. يوفال نوح هراري يتحدث كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يهدد الديمقراطية ويقسّم العالم”، وهو مقال مقتبس من كتاب هراري “نيكسوس.. تاريخ موجز لشبكات المعلومات من العصر الحجري إلى الذكاء الاصطناعي”.

    Yuval Noah Harari of Hebrew University of Jerusalem attends a session at the 50th World Economic Forum (WEF) annual meeting in Davos, Switzerland, January 21, 2020. REUTERS/Denis Balibouse

    ويظهر المقال هاجسَ هراري بأن البشرية ستتحول إلى فريسة للذكاء الاصطناعي، إن لم تتعاون بكل مكوناتها لحماية مصالحها المشتركة، وهو ما يتبناه من وجهة نظر الحضارة الغربية التي يقوم تطورها على السيطرة على الطبيعة، فضلاً عن هواجس أخرى ذات صلة بقدرة هذه التقنية على التأثير على اتخاذ القرارات الكبرى قضائياً وسياسياً، والتي من شأنها أن تهدد تحقيق الديمقراطية في العالم.

    ذكيُّ غيرٌ زكيّ

    تنكشف عورة الفكر الحداثي الذي ينتمي إليه هراري، في محوه لجغرافيّات الاستعمار من مدوّنته، إذ أهملت هذه السرديّة الأوروبية ما يقارب 5 قرون من الغزو الاستعماريّ، الذي بُنيت عليه أسس الحداثة ومقدّماتها وتطوّرها لاحقاً، كما يرى الباحث في فلسفة العلوم الاجتماعية خالد عودة الله.

    يرى عودة الله أنه “في زمنِ ما يسمى ثورة الذكاء الاصطناعي، الذي يقوم بصفته وعداً بزمنٍ إنساني جديد، ومن حقيقة أن استخدام إسرائيل له بشكل معلن ومكثف في الإبادة؛ يجعل الكثرة المتكاثرة من السجالات في حقل أخلاقيات الذكاء الاصطناعي بلا معنى إذا لم توضع حرب الإبادة في غزة في مركزها، بصفتها إعلاناً عن المآلات القصوى للحداثة الإمبريالية الخوارزمية. ومن هنا تأتي ضرورة بناء مداخلة فلسطينية في هذا السجال من فلسطين كموقع لولادة الحداثية الإبادية التكنولوجية في القرن 21”.

    يتخذ النقاش حول الذكاء الاصطناعي في العالم العربي منحًى تقنياً أكثر منه منحى أخلاقياً، فيؤدي إلى غياب السياق التاريخي الحرج الذي يشهد الإبادة باستخدام أدوات هذا الذكاء في بقعة جغرافية تنتمي إلى تاريخ العالم العربي وهويته الاجتماعية والأخلاقية، فضلاً عن هيمنة تصوراتٍ تحتكر نقاشه بوصفه ساحة الحرب المقبلة بين قطبي العالم: الولايات المتحدة والصين.

    والمركزي هنا، هو أن السجال بصوتٍ أخلاقي جاد يحمل نضالات العالم الجنوبي وقيمها -وفي القلب منه قضية فلسطين- يغيب في مواجهة ما يُنظّر إليه هراري، سواء قبل أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول أو بعده، إذ يُصَرِّح بانحيازه إلى قوميته التي يهيمن اليمين على نظامها الحاكم، ويؤكد على رؤيته بأحقية استخدام أطنان من الأسلحة في غزة، بما فيها طبعاً ما كان موَّجها بتقنيات الذكاء الاصطناعي للقتل بأقصى فاعلية وأقل كلفة، فيما يبدو وكأن الأمر لا يتعدى كونه خط إنتاج!

    وإن كان زمن الإبادة هو الأكثر حساسية في تاريخ القضية الفلسطينية، فإن غياب السجال الأخلاقي الذي يجعل من الإبادة مركز اشتباكه، يجعلنا أمام وعيدٍ بثمن باهظٍ على المستوى الحضاري والإنساني، وهو ثمن إضافي فوق الإبادة نفسها، في حين يواصل هراري من موقعه داخل المشروع الصهيوني، تقمص شخصية المفكر الملهم في تشكيل حدود وأخلاقيات هذه التقنية وإشباعها نقداً ليبراليا لا يرى العالم الجنوبي.

    أما العالم اليوم، وبعدما أعادت الحداثة إثبات فشلها كمسار للإنسانية باستمرار النظام العالمي في دعم الإبادة وعدم اكتراث الأنظمة السياسية الحديثة بإرادة شعوبها، فقد أصبح بحاجة إلى منظور معرفي جديد يؤسس لمسار جديد للبشرية، وفي هذا يرى عودة الله أن على الإنسانية أن تتقدم من مجرد نقد الحداثة إلى مقاومتها، ومقاومتها تعني بالضرورة بناء نموذج أخلاقي فلسفي بديل، ونموذج معرفي متحرر من هيمنة المعرفة الحداثية، يحيط بالحالة من كافة جوانبها: الأفارقة في مناجم الكوبالت (ذهب الصناعات التقنية)، المبادون في قطاع غزة، ثمّ ارتداد سياسات الإبادة من فلسطين المحتلة على المجتمعات الغربية، تماماً كما كانت الإبادة في ناميبيا الحقل التجريبي لألمانيا، إلى أن استقدم هتلر النموذج في تنفيذه “الهولوكوست”.

    هكذا، فإن الديمقراطية التي يخشى عليها هراري بسبب الذكاء الاصطناعي ستكون في أزمة، لا بسبب انفلات عقال السيطرة على هذه التقنية، وإنما بسبب المصير الذي ستؤول إليه البشرية في علاقة المجتمعات بعضها ببعض، والعلاقة بين السلطة والمجتمع، لأن أحداً لم يتخذ موقفاً أخلاقياً حاسماً وواضحاً من تزاوج التقنية والقتل واسع النطاق للفلسطينيين في غزة، أي أن الإنسانية طبَّعت هدر القيمة الأهم في الوجود الإنساني: قيمة الحياة، فلا يعود بعدها حرمة لأي قيمة، مثل الإرادة والخصوصية والاختيار الحر.

    من الذي ينثر على الموت سكّرًا؟!

    في بحث بسيطٍ عبر الإنترنت، سنجد أرقاماً متصاعدة لاستثمار الدول في قطاع الذكاء الاصطناعي بما يسهم في نموه، وبالتالي اتساع أسواقه، بلا موقفٍ أخلاقيٍّ موازٍ تجاه توظيفه كسلاح إبادة يُسيّد الآلة لتقتل عشوائيّاً، وهو ما يشي بمستقبلٍ تكون فيه الآلة أحظى من الإنسان باتخاذ القرارات وتحديد المصائر.

    ولإطفاء آخر فتيل أخلاقي يمكن أن يستفز الصمت أمام هول ما يجري، يُعيّن جندي إسرائيلي ليوافق -خلال 20 ثانية فقط!- على ما اختارته الآلة للقصف، فيضغط الزر كجزء من المنظومة البيروقراطية؛ “مجرد ختم مطاطي”، كما يصف روري تشالاندز في تقريره للجزيرة الإنجليزية حول استخدام “إسرائيل” للذكاء الاصطناعي في الإبادة.

    وبينما يسهب هراري في التعبير عن مخاوفه من أولئك القادة الذين سيختارون موقع المفترس لا الفريسة، تسقط الحساسية تجاه تفتيت الشر ودسه في مفاصل المنظومات البيروقراطية، التي لم يكن أولها في “وادي السيليكون”، ولن يكون آخرها بين يدي الجندي الذي يضغط الزر.

    KHAN YUNIS, GAZA - JUNE 8: (EDITOR'S NOTE: Image has been reviewed by Israeli Defense Forces prior to transmission) An Israeli soldier guards as he sits in an army vehicle while escorting members of the press towards Gaza European Hospital near Khan Yunis on June 8, 2025 in Khan Yunis, Gaza. According to the Israeli military, it struck Hamas "underground infrastructure" beneath the European Hospital on May 13, reportedly killing Hamas chief Muhammad Sinwar, younger brother of the militant group's former leader, Yahya Sinwar, who was killed by Israeli forces last year. The Hamas-run civil defence said that during the strike six bombs hit the hospital's inner courtyard and surrounding area, killing 28 people and injuring dozens more. The IDF alleges tunnels under the European Hospital in southern Gaza were used by Hamas as a command center during the October 7, 2023 Hamas attack on Israel, masterminded by Yahya Sinwar. Hamas has not yet confirmed or denied Muhammad Sinwar's death. (Photo by Amir Levy/Getty Images)

    وهذا  ما يعكسه زيغمونت باومن في كتابه “الشر السائل”، حول آلية الانفصال عن القيمة والأخلاق، أي القدرة على الانتقائية عند التعامل مع الألم والمعاناة الإنسانية، والتي تكمن في استعداد البشر لفتح إحساسهم وغلقه كما لو أنه آلة يشغلها عامل ماهر لا إنسان مدرك وحساس، فالقبول الصامت بالتخلي عن البعد الأخلاقي في بعض الأوقات، وتفعيله في أوقات أخرى، هو جوهر انتفاء الاستجابة الأخلاقية الجوهرية والمتماسكة.

    يدفع كل ما سبق إلى السؤال حول مستقبل البشرية بعد تطبيعها مع الإبادة التي تنوعت فيها صنوف القتل، فضلاً عمّا سيتكشَّف من آثار تاليةٍ لتوقف الإبادة، وما إذا كانت الدول في قابل الأيام ستعبأ بالديمقراطية حين تتخذ قراراً بالتوجه إلى كبح جماح ما تراه خطراً يهدد سيادتها.

    في هذا السياق، تأتي مناقشة كارل شميت للنظرية القانونية الفرنسية حول “أعمال السيادة”، والتي تجعل القضاء نفسه عاجزاً عن محاسبة الدولة حين تعلن حالة الخطر أو الاستثناء أو الحرب، ولا يمكن حينها إجبارها على احترام حقوق المواطن وحقوق الإنسان، وهو ما قد يحدث في حال احتدام المواجهة بين الدولة الحديثة ومواطنيها الرافضين لسياساتها.

    وحين يقع هذا الذي لا يبدو بعيداً، بين الدول الحديثة وشعوبها على ضوء ما يشهده العالم من قمع أجهزة الأمن للمتظاهرين ضد الإبادة، سيصبح البحث عن الديمقراطية التي يقلق عليها هراري، أشبه بالمثل الدارج على لسان الفلاحين الفلسطينيين: “بيرشّ (أي ينثر) على الموت سكر”.

    الآلة أم الإله؟

    في 25 يوليو/تموز 2025، ألقت ابتهال أبو السعد كلمةً في “مؤتمر المجلس الإسلامي البريطاني للذكاء الاصطناعي”، جاء فيها أن الإنسان المسلم مؤتمن على الحق والحقيقة، وهي مفاهيم ذات طبيعة ثابتة بالنسبة للإنسان المسلم، تحكم علاقته بالوجود ككل، وأشارت إلى مفهوم “الأمة” بوصفه مفهوماً متصلاً بالإرث والقيم والروابط الاجتماعية.

    لقد نسجت أبو السعد خطابها كاملاً في ضرورة أن يكون للمسلمين صوتٌ معرفي وأخلاقي في خضم هذه الثورة التقنية المتسارعة، التي شكلت المجتمعات المسلمة في أوروبا أول حقولها التجريبية، على حد وصفها. وضربت أمثلة على ذلك: التنبؤ في بريطانيا باحتمالية أن يكون لدى مسلم نوايا إجرامية استناداً إلى معتقداته وما يبحث عنه عبر الانترنت، وفي كندا حيث خضعت المساجد للمراقبة بتكنولوجيا تمييز الوجوه، التي جُرِّبت بشكل واسع في أحياء المهاجرين هناك.

    تشكل هيمنة الذكاء الاصطناعي على مستقبل الحياة البشرية خطراً أكثر جديّة من خطرها على الديمقراطيات والمناخ وانقراض الإنسان، كما يقلق هراري، فهي في صيرورة تطورها تأتي تتويجا لذروة حضارة الآلة التي أفرزتها المادية الغربية، والتي تنزع الصلات الغيبية عن كافة الروابط والأفعال والقرارات، وتحولها إلى عمليات إجرائية في نظام بيروقراطي تقاس جدواها بمعايير مادية، دون استحضار أي قيم أخلاقية، ليس في القتل فحسب، بل أيضاً في مصادرة إرادات الناس والتدخل في حيزهم الخاص وفرض قرار الآلة على مصائرهم.

    وبالتالي فإنها تقنية تستمد مرجعيتها من إطار الحضارة المادية الغربية، التي تقوم في أحد أساساتها على أن الطبيعة البشرية تتحرك حسب صيرورة المادة أو حسب الظروف التاريخية، أي لا توجد طبيعة بشرية تتسم بقدر من الثبات، وعليه فلا معايير يمكن الاستناد إليها يتحمل معها الإنسان الأعباء الأخلاقية لأي فعل، كما يقول المفكر عبد الوهاب المسيري.

    وانطلاقاً من هذا التناقض الصارخ بين المرجعية الأخلاقية الثابتة لابتهال أبو السعد، وبين المرجعية  السائلة لهراري ومن في صفه، تصبح الإنسانية في مأزقٍ مروِّعٍ، حيث لا ضوابط غيبية تحكم الإنسان أثناء تطوير هذه التقنية وحدود تأثيرها على حياة البشر، والخطوط التي يشكل تجاوزها اعتداءً على المقدَّس واستباحةً للمحرَّم.

    ويرى المسيري أن إنكار المادية الغربية -التي ولَّدت الذكاء الاصطناعي- لوجود طبيعة بشرية ثابتة؛ هو محاولة واعية للهرب من الميتافيزيقيا والإيمان بما وراء المادة، وهو أيضاً محاولة غير واعية للهرب من فكرة الأخلاق.

    وعلى النقيض من ذلك، يتجلّى في استحضار أبو السعد لمفاهيم ما وراء المادة، في نقدها للثورة التقنية في خطابها الأخير، وفي ضبطها للعلاقة مع هذه المعرفة ضمن إطار التكليف الإلهي للإنسان. وقد برز هذا الموقف بوضوح، في تصريحاتها حول قرارها الانسحاب من مايكروسوفت على إثر تورط الأخيرة في الإبادة.

    يقول ألبرت شبير، مهندس هتلر الأول، في مذكراته: “إن تركيزي المرضي على الإنتاج وإحصاءات الناتج، طمس جميع الاعتبارات والمشاعر الإنسانية”، وهو تماماً ما ينطبق على تركيز الخوارزميات -ومن وراءها من المبرمجين والعسكريين- على إنتاج أكبر عدد ممكن من المخرجات، التي أخذت شكل قوائم الأهداف في حرب الإبادة على قطاع غزة، دون أي اكتراثٍ أخلاقي، منطلقين من تبريرات مثل الحق في العمل والحق في الدفاع عن النفس و”الأضرار الجانبية” غير المقصودة.

    فإن كانت هذه التقنية تنتج القتل على هذا النحو الرأسمالي، مُحمّلة بمبررات كتلك التي ساقها آدم سميث حينما قال إن إنسانه الاقتصادي هو إنسان الطبيعة والفطرة وإن الحاجة الرأسمالية هي حاجة غريزية، فما الذي تتوقعه البشرية مستقبلاً من تقنية رأسمالية لا يكبح جماحها في القتل والتنبؤ بالخطر أي منطق غيبي أو حتى ثباتٌ في الطبيعة البشرية ولو بالحد الأدنى؟

    فالموظف المسؤول عن تطوير خوارزمية في كبرى شركات الذكاء الاصطناعي، منفصلٌ أخلاقياً وداخلياً عمّا ستؤدي إليه تلك الخوارزمية التي طوَّرها، ومقتنعٌ بأنه يؤدي وظيفةً على أكمل وجه، ويتلقى مقابل ذلك راتباً شهرياً سخيّاً، دون أن يصاب بوخزٍ في الضمير؛ بأنه كان لبنة في تشكيل منظومة قتلٍ وملاحقةٍ واعتداءٍ على إرادات وحريات الناس في مختلف أماكن العالم. ويتقاطع ذلك، مع التصور الليبرالي للعالم كما يراه توماس هوبز، حيث يحلّ السلوك الطبيعي القائم على علاقات الصيد والافتراس، محل المعاملات الاجتماعية التي تستند إلى التراحم.

    ما أضاءت عليه ابتهال أبو السعد في خطابها حول أهمية أن يقدم الفكر الإسلامي محاججة أخلاقية واضحة في عصر ثورة الذكاء الاصطناعي، يتصل مباشرة بمبدأ التراحم كأحد الخطوط الناظمة لأي نتاج معرفي تقنياً كان أو فكرياً، وهو ما تفتقر إليه الإنسانية المادية الليبرالية التي تؤمن بالإنسان مع إنكار الما وراء، فترفعه إلى مقام الفاعل المطلق دون أن يردعه رادع، اللهم إلا رادع المنفعة المادية. وانطلاقاً من ذلك، فهو لا يرى نفسه مسؤولاً عن موت عمال المناجم في أفريقيا مثلاً، أو عن هندسة المجاعة في قطاع غزة.

    مهندسة في شركة مايكروسوفت ابتهال أبو السعد Ibtihal A Microsoft https://www.linkedin.com/posts/fatmamagdy9_bravevoices-standforhumanity-activity-7314018735718068225-8pmQ?utm_source=share&utm_medium=member_desktop&rcm=ACoAAFADVaIBTx7kpB8jU4HhTfquwEb4kq4CmNQ

    يضع خطاب أبو السعد المفكرين العرب والمسلمين، أمام مسؤولية تقديم معرفةٍ أخلاقيةٍ تعيد بناء الصلات التي فككتها الحداثة وتقنياتها، وإعادة صوت المراقبة من داخل النفس الإنسانية، ليحمل العبء الأخلاقي الذي يُمكّن كل إنسان في موقعه من تقدير مسؤوليته عن عواقب ما يصنع، لا من منطلق الخوف من المحاسبة القانونية، بل من منطلق ديني وحس أخلاقي يضع العلاقة مع الله في مركز الموقف الأخلاقي.

    بكلماتٍ أخرى، فإن إنقاذ ما تبقى من الإنسانية من سيطرة الآلة، يقوم فكرياً على استحضار الاتصال بين الإنسان وخالقه كقوة عظمى يمتثل لإرادتها دون أن يمارس عليها التشييء واجتزاء الأمر، كما يناقش ذلك زيغمونت باومن بصورة موسعة في كتابه “المراقبة السائلة”.

    كبش فداء الجنوب

    في منتصف ستينيات القرن الماضي، دخل طالبٌ أميركي تبدو ملامحه أكبر سناً من أقرانه المتخرّجين، إلى مكتب أستاذ الأدب المقارن في جامعة كولومبيا، طالباً الانضمام إلى مجموعة دراسية محدودة العدد. وبرّر طلبه بمشاركته في الحرب -قاصدا حرب فيتنام- مضيفاً أنه خدم هناك في القوات الجوية الأميركية.

    ولأن الأستاذ كان إدوارد سعيد، فقد طرح على الطالب السؤال على نحو مباشر: ماذا كان عملك تحديداً في القوات الجوية؟ فأجابه قائلاً: تحديد الأهداف.

    لم يستغرق الحوار سوى دقائق، ليتأكد سعيد أن مهمة الطالب كانت إلقاء القنابل، أما وصفها الحِرَفي كما يقول سعيد فهو “تحديد الأهداف”.

    إن استخدام هذه اللغة الحِرفية من ذلك الجندي، هو المنطق ذاته الذي أسبغ على هذه التقنية اسم “الذكاء الاصطناعي”، لتتوارى خلفه حقائق مروِّعة عن تاريخ جديد من استعباد البشر مقابل الدخل، وهو ما ستجده إن بحثت عن ظروف العاملين في هذا القطاع في دول جنوب شرق آسيا أو أفريقيا. على سبيل المثال، فإن عاملي الفلبين يتحملون أعباء مراجعة كميات هائلة من البيانات لتطوير الخوارزميات، لقاء دولارين فقط في الساعة الواحدة، في ظروف عمل سيئة وتحت ضغوط اتفاقيات يتم توقيعها مع الشركات المطورة للتقنية تشدد على سرية العمل، رغم ما تحمله مراجعة هذا الكم الهائل من البيانات من ضغوط نفسية وجسدية.

    يتصل ذلك، بالكيفية التي يُقَدَّم بها نقد الذكاء الاصطناعي في الغرب بهمومٍ ليبرالية، بما يحقق في نهاية الأمر، تناغماً مع الشركات الكبرى والسلطات الحاكمة. يُعبّر سعيد عن مثل هذه الحالات، بوجود إغراء بتعطيل الحاسة الأخلاقية، أو بحصر التفكير في حدود التخصص الدقيق، أو بقمع التشكك في سبيل موافقة الآخرين، وإلا فكيف يمكن لنا أن نفهم نقاش منظّري العالم الغربي لقضايا الذكاء الاصطناعي والجنوب العالمي من زوايا كالحوكمة، وتهديد الديمقراطية وقضايا المناخ، دون أن يمس أحدهم في نقده، أي نقد للهيمنة السياسية والثقافية التي شكّلت الأرضية المؤسسة لهذه الثورة التقنية!

    ومما يثير الاستغراب، أن لا أحد يتساءل عن كيفية القبول بتوظيف إنسانٍ ضمن هذه الظروف المهينة للكرامة، لكن هناك ضخ لمقالات عن مخاطر أتمتة العمل في العالم الجنوبي بسبب تقدم تقنية الذكاء الاصطناعي، كما يمكنك أن تقرأ في مقال نشره مركز أبحاث “أومفيف” (OMFIF) للسياسات الاقتصادية تحت عنوان “كيف يمكن للجنوب العالمي أن يدفع تكلفة تطوير الذكاء الاصطناعي؟” فالمقال قلقٌ من إحصائية للبنك الدولي تفيد بأن 35% فقط من سكان الدول النامية يتوفر لديهم اتصال بالإنترنت، لكنه ليس قلقاً بشأن أولئك الذين يموتون في سبيل توفير أدنى متطلبات الحياة مقابل تزويد البنية المادية للذكاء الاصطناعي بالمزيد من الكوبالت والليثيوم، أو أولئك الذين يعملون لساعات طويلة لتطوير الخوارزميات مقابل فتات.

    وفي مقال منشور في الغارديان البريطانية تحت عنوان “خمس طرق قد يدمر بها الذكاء الاصطناعي العالم.. كل شخص على وجه الأرض قد يسقط ميتًا في نفس الثانية”، لا يرد أي نقاش ضمن تلك الطرق الخمسة حول من يموتون معنوياً أو جسدياً في الجنوب، لأنهم مضطرون للعمل مقابل فتات في تطوير هذا الوحش الضخم، بل تكاد تكون تلك الطرق الخمسة المحتملة أقرب إلى الخيال العلمي، دون الاشتغال الجاد والحقيقي بما هو واقع على الأرض من فجوات سياسية واقتصادية أسست لها الحركة الاستعمارية بين العالمين الشمالي والجنوبي.

    فتحي الشقاقي

    وبالرجوع إلى تاريخ هيمنة العالم الشمالي على الجنوبي ونهب موارده الطبيعية والبشرية منذ بدأت الحركة الاستعمارية قبل أكثر من 500 عام على يد كولومبوس، فإنه من إنصاف الذات الجنوبية لنفسها أن تقف وجهاً لوجه متحملةً المسؤولية أمام نفسها للإجابة على السؤال حول الممكن بين يديها، لوضع حد لتاريخ هذه الهيمنة، والتأسيس لمرحلة تاريخية جديدة، يكون عمودها الفقري التحرر الذي أسست له أخلاقياً لحظة 7 أكتوبر، عندما استطاع سكان أكبر سجن مفتوح في العالم إعماء الآلة والاندفاع خارج حدود السجن بإرادةٍ مشحونةٍ بمعانٍ تتصل مباشرة بالغيب.

    إن هذا الإلهام، إذا ما أريد التقاطه واقتفاء أثره، فإن أهم ما يقوم عليه هو إيمان قادة وشعوب المنطقة، بأنه لا بد على الأمة أن تضحي برفاه الصناعة والتقنية اللتين تقدمهما الحضارة المادية الغربية من أجل الاستقلال والكرامة، كما يرى المفكر الفلسطيني فتحي الشقاقي في مقالته “الاستقلال والتبعية في الحوض العربي الإسلامي.. رؤية نهضوية” المنشور في مجلة “منبر الشرق” الصادرة في القاهرة عام 1993.

    في هذه الحالة فإن العالم الجنوبي، بقادته ومفكريه، يتموضع في موقعية الفاعل تجاه هذا التاريخ لا المفعول به، ذاك المحاصر بالأسئلة المكرورة ذاتها حول الأسباب التي أدت إلى استمرار هذا النهب.

    إن الانتساب للجنوب العالمي، يحتم النضال اليومي لمنع التطبيع مع عملية تحويل مصانع الجثث إلى وسائل للتراكم الرأسمالي، استناداً إلى أن ما يحصل في غزة اليوم هو تاريخ للمستقبل، وأن هذا المنطق برمته لن يسلم منه أحد، سواء بالقصف أو سياسات الموت البنيوية ضد الفقراء والمهمشين في الشمال والجنوب على حدٍّ سواء، وعليه تكون مسؤولية العالم الجنوبي تجاه ذاته ونضاله أن يسترد قدرة مجتمعاته السياسية على مواجهة الاستبداد والتبعية، وهو ما يمكن اعتباره “تحويل الحزن القاتل إلى حزنٍ مقاتل”، كما يعبّر عودة الله في نصٍ بعنوان “بيان جنوبي تحرري” نُشِرَ صيف العام الجاري.

    كيف أصبحنا بهذه الهشاشة؟

    في 12 يونيو/ حزيران الماضي، وخلال لقاء مصوَّر أجرته معه “وول ستريت جورنال”، طرح هراري مجموعة من الادعاءات الأخلاقية حول الذكاء الاصطناعي، مبتدئاً بأنه ليس “أداة” (tool) بل هو “فاعل” (agent)، وأنه سيكون قادراً على منافستنا في المستقبل القريب، و”سيكون قادراً على أن يبتكر، يغير ويتخذ قرارات بشكل منفصل عنا”، كما سيصبح بديلاً لرجال الدين والمستشارين الماليين وغيرهم.

    في مراتٍ غير معدودة، سمعتُ أشخاصاً من خلفيات متعددة، يخرجون هواتفهم ويسألون “شات جي بي تي” (Chat Gpt) أسئلة عن حياتهم الشخصية اليومية، عن العلاقات والأزمات التي يمرون بها، ويطلبون منه النصيحة في كثيرٍ من الأمور، من تنسيق الألوان لملابسهم وحتى السؤال عن الانحيازات السياسية.

    وحين قررتُ أن ألعب اللعبة، وأفترض سيناريوهات عديدة أسأله عنها، كان من المخيف جداً بالنسبة لي كيف تقوم الخوارزمية بإنتاج إجابات بلغة تحاكي الإنسان، إلى درجةٍ تورّط الواحد في الأخذ والرد لساعات دون وعي، فانفجر السؤال التالي في رأسي: ما الذي أوصلنا إلى هذا الحد من الهشاشة حتى تتدخل التقنية بهذا الشكل في حياتنا؟

    ورحتُ أفكِّر في كل مرة تعمل فيها الخوارزمية، كم تستهلك من الكوبالت؟ وكم إنساناً يموت بصمت في المنجم بينما يضخ إنسان آخر ماله لصالح التقنية؟ وكيف غاب عن وعينا أن ثمن السهولة المصطنعة هذه هو انفصالنا عن ذواتنا ومحيطنا الحقيقي، وعن حياة إنسان يحفر الصخر في أفريقيا لينال قوت يومه؟!

    بالنظر إلى كل ما يتحدث به هراري من موقعه كفيلسوف إسرائيلي بالأساس، فإنه يعيد إنتاج النقاش حول الذكاء الاصطناعي بالمنطق الاستعماري المهيمن على العالم، والذي يقوم على محو سرديات الشعوب المستعمرة من جهة، وعلى الفصل بين الوعي والعالم الطبيعي والاجتماعي ونزع المركزية عن أي فعل سياسي لتحقيق الهيمنة من جهة أخرى، كما يتضح ذلك بالرجوع إلى النظرية السياسية لدى المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي.

    لم يصل الذكاء الاصطناعي فجأة إلى أن يكون التقنية الأهم في الإبادة الجارية، بل جاء ذلك تتويجاً لمسارٍ متسارع من تطور الحداثة، فالاستثمار في هذا القطاع بات الأضخم في تاريخ البشرية بما يقدَّر ببلايين الدولارات.

    تقوم هذه الهيمنة في جوهرها على التفكيك، أي نزع مركزية الإنسان وتفكيكه إلى ما هو دونه وإلغائه كمقولة مركزية ومستقلة في النظام الطبيعي، بل ومتجاوزة له، كما يرى المفكر عبد الوهاب المسيري.

    وكما يرى باومن، فإن رأس المال يؤسس منطقه الخاص للحياة والعلاقات، بما يجعل الإنسان على طرفي العملية الرأسمالية الخاصة بالإنتاج والاستهلاك، إذ يستحيل إلى مجرّد مادة استعمالية أو هدف تسويقي أو كليهما معاً، دون أن يدرك كفردٍ آثار الشر الذي يتسم به المجتمع الاستهلاكي ما بعد الليبرالي، الذي تحوّلت فيه المعاناة من جماعية إلى فردية، حتى أصبحت الشكوى فردية، والخلاص كذلك.

    midan - زيجمون باومان

    لكن ما يُفْلِتُ من باومن وكثيرٍ من الفلاسفة المعاصرين، هو تقديم رؤية تخص المجتمعات الجنوبية التي قامت الثورة التقنية على استعمارها وتفكيك بناها ونهب مواردها البشرية والطبيعية وتحويلها إلى سوقٍ استهلاكي وتجريبي. فالتحديات التي يتحدث عنها باومن، ليست إلا القشرة الخارجية لما يواجهه الإنسان الجنوبي، تحديداً في زمن الذكاء الاصطناعي.

    العيش في العالم لا فوقه

    في الشركة التي بدأ فيها هراري مسيرته المهنية، “رافائيل” للصناعات العسكرية، تتصدر واجهة التسويق عبارة “حلول قتالية مجربة”، وكأنها الحمض النووي الذي تقوم عليه الشركة.

    وبطبيعة الحال، فإن تجريب السلاح والتقنيات المضافة عليه، يتكثّف في فلسطين بوصفها حيِّزاً جغرافياً خالياً من الرقابة، ومختبراً للإبادة تمارس فيه “إسرائيل” دعايتها الرأسمالية الأشهر.

    إن وضع قضايا العالم الغربي في مركز النقاش الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، كما يفعل هراري وزمرته من المبهورين بالنموذج الجديد، يحتاج صوتاً مضاداً تحررياً، ينطلق مما يعبّر عنه وائل حلاق “ببناء مفهوم الإنسان الجديد” الذي لا يتعامل مع القيم بوصفها كلمات مثيرة للإعجاب، بل مكونا لعالم القيم الذي يولد فيه الإنسان، نظامياً ومنهجياً وتكوينياً، دون أن يتخذ حب السيطرة والتسيّد حيزاً شاغلاً في هذه المنظومة.

    يبدو أن استعادة الصلات، هو الترياق الأمثل في بناء محاججة أخلاقية مناهضة لما يجتهد هراري ضمن موقعه في المشروع الصهيوني في إنتاجه، وهو ما يعني تصور نسيج للوجود، يجعل كل ما يقوم به المرء من فعل وامتناع، مرتبطاً بكل شيء في هذا الوجود، وفعَّالاً فيه بمسؤولية تتعامل بحساسية مع حياة الناس.. إنه ترياق يدفع البشرية نحو العيش في العالم، لا فوقه!

    شاركها. فيسبوك تويتر بينتيريست لينكدإن Tumblr تيلقرام واتساب البريد الإلكتروني

    مقالات ذات صلة

    ضغوط متزايدة على نتنياهو وتساؤلات حول مستقبل أوكرانيا

    بتهمة انتهاك القانون.. أمريكا تلغي 6000 تأشيرة طلابية

    رغم موافقة «حماس».. نتنياهو: لا وقف للحرب إلا بشروطنا

    ولاية شمال شرق الصومال “خاتمو”.. نموذج لإعادة هندسة الفدرالية | سياسة

    بين الانتقام والطرافة.. بدلة زيلينسكي تحرج صحفياً!

    فيديو.. أهل غزة يواجهون هواجس اجتياح وتهجير قسري محتمل

    ترمب: أوكرانيا لن تكون في الناتو.. والضمانات الأمنية لم أبحثها مع بوتين

    لاكروا: غزة تعاني من كارثة غير مسبوقة والحل وقف إطلاق النار

    زيلينسكي: نرفض التنازل عن أي أرض أوكرانية

    اترك تعليقاً
    اترك تعليقاً إلغاء الرد

    اخر الأخبار

    ضغوط متزايدة على نتنياهو وتساؤلات حول مستقبل أوكرانيا

    الثلاثاء 19 أغسطس 12:39 ص

    مرشحان يمينيان يتأهلان للجولة الثانية من رئاسيات بوليفيا

    الثلاثاء 19 أغسطس 12:37 ص

    400 شاحنة يومياً.. ارتفاع التبادل التجاري بين سورية والأردن

    الثلاثاء 19 أغسطس 12:26 ص

    بتهمة انتهاك القانون.. أمريكا تلغي 6000 تأشيرة طلابية

    الثلاثاء 19 أغسطس 12:23 ص

    اغتصاب وعنف وتصوير نساء خلسةً.. الادعاء النرويجي يوجّه تهم خطيرة لابن ولية العهد

    الثلاثاء 19 أغسطس 12:08 ص
    اعلانات
    Demo

    رائج الآن

    مرابط الخيول بشواطئ جدة.. وجهة سياحية للرياضة والترفيه

    الثلاثاء 19 أغسطس 12:05 ص

    ضبط مطلوب بحوزته مواد مخدرة في «أسواق القرين»

    الإثنين 18 أغسطس 11:57 م

    مدرب أوساسونا: نطمح للفوز على ريال مدريد بحماس

    الإثنين 18 أغسطس 11:54 م

    «التجارة»: جولات رقابية على المكتبات ومنافذ بيع القرطاسية

    الإثنين 18 أغسطس 11:53 م

    النفط والذهب يرتفعان وسط ترقب اجتماع ترامب وزيلينسكي

    الإثنين 18 أغسطس 11:39 م
    فيسبوك X (Twitter) تيكتوك الانستغرام يوتيوب
    2025 © وادي السعودية. جميع حقوق النشر محفوظة.
    • من نحن
    • سياسة الخصوصية
    • إعلن معنا
    • اتصل بنا

    اكتب كلمة البحث ثم اضغط على زر Enter

    تسجيل الدخول أو التسجيل

    مرحبًا بعودتك!

    Login to your account below.

    نسيت كلمة المرور؟