تجددت التوترات الحدودية بين تايلاند وكمبوديا، مع اندلاع اشتباكات فجر الاثنين، مما يهدد جهود السلام الأخيرة بين البلدين. يأتي هذا التصعيد بعد أقل من شهرين على توقيع “اتفاقية كوالالمبور للسلام” برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويثير مخاوف بشأن استقرار المنطقة. وتتركز الاشتباكات حول منطقة متنازع عليها على الحدود بين البلدين، مما يعيد إحياء نزاع حدودي طويل الأمد.
الاشتباكات الحدودية بين تايلاند وكمبوديا: تطورات متسارعة
بدأت الاشتباكات، وفقًا لتقارير إعلامية، في منطقة تشون آن ما شمال شرقي تايلاند، حيث اتهم الجيش التايلاندي القوات الكمبودية ببدء إطلاق النار. ورد الجيش التايلاندي بقصف مدفعي وجوي، حسبما صرح متحدث باسم الجيش التايلاندي لصحيفة “بانكوك بوست”. أفادت التقارير الأولية عن مقتل جندي تايلاندي وإصابة ثمانية آخرين، بينما أعلنت السلطات التايلاندية عن إجلاء أكثر من 385 ألف مدني من المناطق الحدودية.
اتهامات متبادلة وتصعيد عسكري
من جانبها، نفت وزارة الدفاع الكمبودية مسؤوليتها عن بدء الاشتباكات، وزعمت أن الجيش التايلاندي شن غارات جوية باستخدام طائرات إف-16. وأكدت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الكمبودية أن بلادها “لم ترد” على الهجمات التايلاندية، لكنها أشارت إلى أن القوات التايلاندية واصلت هجماتها مستخدمة الدبابات و”غازات سامة”، وهو ما لم يتم تأكيده بشكل مستقل. هذه الاتهامات المتبادلة تزيد من تعقيد الوضع وتصعّب جهود التهدئة.
تأتي هذه الاشتباكات في أعقاب سنوات من التوتر والنزاعات الحدودية المتقطعة بين تايلاند وكمبوديا، والتي ترجع جذورها إلى نزاع حول السيادة على أراضٍ متنازع عليها على طول الحدود المشتركة التي تمتد لحوالي 817 كيلومترًا. وقد شهدت المنطقة اشتباكات سابقة في مايو ويوليو الماضيين، أسفرت عن مقتل العشرات من الجانبين.
“اتفاقية كوالالمبور للسلام” تحت التهديد
كان من المفترض أن تنهي “اتفاقية كوالالمبور للسلام”، التي تم توقيعها في 26 أكتوبر الماضي بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأعمال العدائية وتعزز العلاقات بين البلدين. ووصف ترامب الاتفاق بأنه “تاريخي”، وأكد على التزام الطرفين بإقامة علاقات حسن الجوار. إلا أن تجدد الاشتباكات يضع علامة استفهام كبيرة حول مستقبل هذه الاتفاقية وقدرتها على تحقيق الاستقرار الدائم في المنطقة.
بالإضافة إلى اتفاق السلام، وقع ترامب خلال الزيارة اتفاقية تجارية ثنائية مع كمبوديا، واتفاقية أخرى مع تايلاند بشأن المعادن الحرجة. هذه الاتفاقيات الاقتصادية قد تكون مهددة إذا استمر التصعيد العسكري وتدهور العلاقات السياسية بين البلدين.
ردود الفعل الإقليمية والدولية
أعرب رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم عن “قلقه العميق” إزاء تجدد الصراع، وحث الطرفين على “توخي أقصى درجات الحذر والحفاظ على قنوات الاتصال مفتوحة”. وأكد استعداد ماليزيا لتقديم الدعم لاستعادة الهدوء وتجنب أي حوادث مستقبلية. لم يصدر حتى الآن رد فعل رسمي من الولايات المتحدة الأمريكية، لكن من المتوقع أن تدعو واشنطن إلى الهدوء وضبط النفس.
الوضع الحالي يثير مخاوف بشأن تأثيره على الاستقرار الإقليمي، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة في منطقة جنوب شرق آسيا. كما يثير تساؤلات حول فعالية الوساطة الدولية في حل النزاعات الحدودية طويلة الأمد.
من المتوقع أن تجتمع لجنة مشتركة بين تايلاند وكمبوديا خلال الأيام القادمة لمناقشة سبل وقف إطلاق النار والتحقيق في ملابسات الاشتباكات. ومع ذلك، يبقى الوضع على الحدود متقلبًا وغير مؤكد، ويتطلب مراقبة دقيقة لضمان عدم تصعيد الأزمة بشكل أكبر. وسيكون من الضروري أيضًا تقييم مدى التزام الطرفين بـ “اتفاقية كوالالمبور للسلام” في ضوء هذه التطورات الأخيرة.













